المنشورات

خطبة الحجاج في أهل العراق

وخطب الحجاج بن يوسف ذات يوم، يوم جمعة، فلما توسط كلامه سمع تكبيراً عالياً من ناحية السوق، فقطع خطبة التي كان فيها، ثم قال: يا أهل العراق، ويا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق، وسيئي الأخلاق، يا بني اللكيعة، وعبيد العصا، وأولاد الإماء، إني لأسمع تكبيراً ما يراد الله به، إنما يراد به الشيطان، وإن مثلي ومثلكم قول ابن براقة الهمداني:
وكنت إذا قوم رموني رميتهم ... فهل أتا في ذا يال همدان ظالم
متى تجمع القلب الذكي وصارماً ... وأنفاً حمياً تجتنبك المظالم
[ثم نزل فصلى بهم] 1.
قوله: "يا أهل الشقاق"، فالمشقة المعاداة، وأصله أن يركب ما يشق عليه، ويركب منه مثل ذلك. والنفاق أن يسر خلاف ما يبدي، هذا أصله، وإنما أخذ من النافقاء، وهو أحد أبواب: جحر اليربوع، وذلك أنه أخفاها فإنما يظهر من غيره، ولجحره أربعة أبواب: النافقاء والراهطاء والداماء والسابياء، وكلها ممدودة، ويقال للسابياء: القاصعاء، وإنما قيل له السابياء لأنه لا ينفذه فيبقي بينه وبين إنفاذه هنة من الأرض رقيقة، وأخذ من سابياء الولد، وهي الجلدة الرقيقة التي يخرج فيها الولد من بطن أمه. قال الأخطل يضرب ذلك مثلاً ليربوع بن حنظلة لأنه سمي باليربوع:
تسد القاصعاء عليك حتى ... تنفق أو تموت بها هزالاً2
والعرب تزعم أنه ليس من ضب إلا وفي جحره عقرب، فهو لا يأكل ولد العقرب، وهي لا تضربهفهي مسألمة له، وهو مسالم لها، وأنشد3:
وأخدع من ضب إذا خاف حارشاً1 ... أعد له عند الذنابة عقربا
وقوله: "بنو اللكيعة" يريد اللئيمة، وقد مر تفسير هذا في موضعه، قال ابن قيس الرقيات يذكر قتل بن الزبير2:
إن الرزية يوم مسـ ... ـكين والمصيبة والفجيعة
بأبن الحواري الذي ... لم يعده أهل الوقيعه3
غدرت به مضر العرا ... ق، وأمكنت منه ربيعه
فأصبحت وترك يا ربيـ ... ـع وكنت سامعة مطيعة
يا لهف لو كانت له ... بالطف يوم الطف شيعه
أولم يخونوا عهده ... أهل العراق بنو اللكيعه
لو جدتموه حين يغـ ... ـضب لا يعرج بالمضيعه4
وقوله: "عبيد العصا "يريد أنهم لا ينقادون إلا بالإذلال5، كما قال ابن مفرغ الحميري:
العبد يقرع بالعصا ... والحر تكيفه الملامه
وقال جرير يهجو التيم:
ألا إنما تيم لعمرو ومالك ... عبيد العصا لم يرج عتقاً قطينها













مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید