المنشورات

رجل يخاطب آخر اسمه دد

وقال آخر1:
ما لدد ما لددٍ ما له ... يبكي وقد أنعمت ما باله
ما لي أراه مطرقاً سامياً ... ذا سنةٍ يوعد أخواله
وذاك منه خلق عادةٌ ... أن يفعل الأمر الذي قاله
إن ابن بيضاء وترك الندى ... كالعبد إذ قيد أجماله
آليت لا أدفن قتلاكم ... فدخنوا المرء وسرباله
والدرع لا أبغي بها نثرةً ... كل امرئٍ مستودعٌ ماله
والرمح لا أملأ كفي به ... واللبد لا أتبع تزوال
قوله: "ما لدد"، يعني رجلاٌ، ودد في الأصل. هو اللهو، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لست من وددٍ ولاددٌ مني"، وقد يكون في غير هذا الموضع مأخوذاٌ من العادة، وهذه اللام الخافضة تكون مكسورة مع الظهر ومفتوحة مع المضمر، والفتح أصلها، ولكن كسرت مع الظاهر خوف اللبس بلام الخبر، تقول إن هذا لزيد، فيعلم أنه شيء في ملك زيد: فإن قلت: إن هذا لزيدٌ في الوقف، علم قبل الإدراج إنه زيد، ولو فتحت المكسورة لم يعلم الملك من المعنى الآخر في الوقف، وأما المضمر فبين فيه، لأن علامة المخفوض غير علامة المرفوع، تقول: إن هذا لك، وإن هذا أنت.
وقوله:
......... وقد أنعمت ما باله
فـ"ما" زائدة، والبال ههنا: الحال، وللبال موضع آخر، وحقيقته الفكر، تقول: ما خطر هذا على بالي.
وقوله:" مطرقاً سامياً" فالسامي الرافع رأسه، يقال سما يسمو إذا ارتفع، والمطرق: الساكت المفكر المنكس رأسه، فإنما أراد سامياً بنفسه.
وقوله: "ذا سنةٍ "يقول: كأنه لطول إطراقه في نعسةٍ. وقوله:
كالعبد إذ قيد أجماله
يريد أنه غير مكترث لاكتساب المجد والفضل، وذلك أن العبد الراعي إذا قيد أجماله لف رأسه ونام حجرةٌ، وهذا شبيه بقوله:
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وقوله:
فدخنوا المرء وسرباله
يروي أنه طعن فارساً فأحدث، فقال: نظفوه فإني لا أدفن القتيل منكم إلا طاهراً، وقوله:
والدرع لا أبغي بها نثرة
فالنثرة: الدرع السابغة، يقول: درعي هذه تكفيني، وقوله:
كل امرىءٍ مستودعٌ ماله
أي مسترهن بأجله، وهو كقول الأعشى:
كنت المقدم غير لابس جنةٍ ... بالسيف تضرب معلماً أبطالها
وعلمت أن النفس تلقى حتفها ... ما كان خالقها الفضيل قضى لها
وقوله:
الرمح لا أملأ كفي به
يتأول على وجهين: أحدهما أن الرمح لا يملأ كفي وحده، أنا أقاتل بالسيف وبالرمح وبالقوس وغير ذلك. والقول الآخر أني لا أملأ كفي به إنما أختلس به كما قال الشاعر:
ومدجج سبقت يداي له ... تحت الغبار بطعنه خلس
وقوله:
واللبد لا أتبع تزواله
يقول: إن انحل الحزام فمال اللبد لم أمل معه، أي أنا فارس ثبتٌ.











مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید