المنشورات

أخبار عبد الله بن العباس وابنه

يروة عن علي بن أبي طالب رحمةُ الله عليه أنه افتقد عبد الله بن العباس رحمه الله [في وقت صلاة الظهر1] فقال [لأصحابه1] : ما بال أبي العباس لم يحضر? فقالوا: ولدَ له مولود، فلما صلى علي رحمه الله قال: امضوا بنا إليه، فأتاه فهنأه، فقال: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، ما سميته? قال: أو يجوز لي أن أسميه حتى تسميه! فأمر به فأخرج إليه، فأخذه وحنكه ودعا له، ثم رده إليه، وقال: خذه إليك أبا الأملاك، قد سميته علياً، وكنيته أبا الحسن، فلما قام معاوية قال لابن عباسٍ: ليس لكم اسمه وكنيته، قد كنيته أبا محمدٍ، فجرت عليه.
وكان علي سيداً شريفاً بليغاً، وكان له خمسمائة أصل زيتون، يصلي في كل يوم إلى كل أصلٍ ركعتين فكان يدعى ذا الثفنات2.
وضرب بالسوط مرتين كلتاهما ضربه الوليد، إحداهما: في تزوجهِ لبابة بنت عبد الله بن جعفر، وكانت عند عبد الملك، فعض تفاحة ثم رمى بها إليها - وكان أبخر - فدعت بسكين، فقال: ما تصنعين به?3 قالت: أميطُ عنها الأذى، فطلقها، فتزوجها علي بن عبد الله، فضربه الوليد، وقال: إنما تتزوج بأمهات الخلفاء لتضع منها، لن مروان بن الحكم تزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية ليضع منها، فقال علي بن عبد الله: إنما أرادت الخروج من هذه البلدة، وأنا ابن عمها فتزوجتها لأكون لها مخرجاً.
وأما ضربه إياه في المرة الثانية فإنا الثانية فإنا نرويه من غير وجهٍ، ومن أتم ذلك ما حدثني أبو عبد الله محمدُ بن شجاعٍ البلخي4 في إسناد له متصلٍ، لست أحفظه، يقولُ في آخر ذلك الإسناد: رايت علياً مضروباً بالسوط يدار ب على بعير ووجهه مما يلي ذنب البعير، وصائح يصيح عليه: هذا علي بن عبد الله الكذاب! قال: فأتيته فقلت: ما هذا الذي نسبوك فيه إلى الكذب? قال: بلغهم قولي: إن هذا الأمر سيكون في ولدي. والله ليكونن فيهم حتى يملكهم عبيدهم الصغارُ العيونِ، العراضُ الوجوه، الذين كأن وجوههم المجان المطرقة.
ومع هذا الحديث آخر شبيه بإسناده، إن علي بن عبد الله دخل على سليما بن عبد الملك، ومعه ابنا ابنه، الخليفتان: أبو العباس، وأبو جعفر - قال أبو العباس: وهذا غلط، لما أذكره لك، إنما ينبغي أن يكون دخل على هشام - فأوسع له على سريره، وسأله عن حاجته، فقال: ثلاثن ألف درهم علي دينً، فأمر بقضائها، قال له: وتستوصي بابني هذين خيراً، ففعل فشكره، وقال وصلتك رحمُ، فلما ولى علي قال الخليفة لأصحابه: إن هذا الشيخ قد اختل وأسن وخلط فصار يقول: إن هذا الأمر سينتقل إلى ولده، فسمع ذلك علي فالتفت إليه فقال: والله ليكونن ذاك؛ وليملكن هذان.
قال أبو العباس: أما قولي: "إن الخليفة في ذلك الوقت لم يكن سليمان"، فلأن محمد بن علي بن عبد الله كان يمنع من تزوج الحارثية، للحديث المروي، فلما قام عمر بن عبد العزيز جاءه محمدٌ، فقال له: إن أردت أن أتزوج بنت خالي من بني الحارث بن كعبٍ، أفتأذن لي [يا أمير المؤمنين1] .
فقال عمر: تزوج - رحمك الله - من أحببت، فتزوجها، فأولدها أبا العباس أمير المؤمنين، وعمر بعد سليمان، فلا ينبغي أن يكون تهيأ له أن يدخل على خليفة حتى يترعرع.
ش: كذا وقع في الأم والرواية، والصحيح لهما أن يدخلا على خليفة حتى يترعرعا.
فلا يتم مثل هذا إلا في أيام هشام.
وكان عبد الملك يكرم علياً ويقدمهُ، فحدثني التوزي؛ قال: قال علي بن عبد الله: سايرت يوماً عبد الملك، فما جاوزنا إلا يسيراً حتى لقيه الحجاج قادماً عليه، فلما رآه ترجل ومشى بين يديه، فخب عبد الملك، فأسرع الحجاج، فزاد عبد الملك، فهرول الحجاج، فقلت لعبد الملك، أبك موجدة على هذا? فقال: لا، ولكنه رفع من نفسه، فأحببت أن أغض منه.
وحدثني جعفر بن عيسى بن جعفر الهاشمي، قال: حضر علي عبد الملك وقد أهدي له من خراسان جارية وفص وسيف، فقال: يا أبا محمدٍ، إن حاضر الهدية شريك فيها، فاختر من الثلاثة واحداً، فاختار الجارية، وكانت تسمى سعدى، وهي من سبي الصغدِ1 من رهط عجيف بن عنبسة، فأولدها سليمان وصالحاً ابني عليٍ.
وذكر جعفر بن عيسى أنه لما أولدها سليمان اجتنبت فراشه، فمرض سليمان من جدري خرج عليه، فانصرف علي من مصلاهُ، فإذا بها على فراشه؛ فقال: مرحباً بك يا أم سليمان، فوقع بها، فأولدها صالحاً، فاجتنبت بعدُ، فسألها عن ذلك? فقالت: خفت أن يموت سليمان فينقطع النسب بيني وبين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالآن إذا ولدتُ صالحاً فبالحري إن ذهب أحدهما أن يبقى الآخر، وليس مثلي اليوم من وطئه الرجالُ.
وزعم جعفر أنه كانت فيها رتةُ.
فالرتةُ: تعذرُ الكلام إذا أراده الرجل، فهي الآن معروفةٌ في ولد سليمان وولد صالحٍ.
وكان علي يقول: أكره أو أوصي إلى محمد -وكان سيد ولده - خوفا من أن أشينه بالوصية، فأوصى إلى سليمان، فلما دفن علي جاء محمد إلى سعدى [ليلا1ً] فقال [لها] 1: أخرجي إلي وصية أبي، فقالت: إن أباك أجل من أن تخرج وصيته ليلاً، ولكنها تأتيك غداً، فلما أصبح غدا بها عليه سليمان، فقال: يا أبي ويا أخي، هذه وصية أبيك، فقال محمدٌ: جزاك الله من ابن وأخٍ خيراً، ما كنتُ لأثرب على أبي بعد موته، كما لم أثرب عليه في حياته.
قال أبو العباس: التمتمة: التردد في التاء. والفأفأة: التردد في الفاء. والعقلة: التواء اللسان عند إرادة الكلام. والحبسة: تعذر الكلام عند إرادته. واللفف: إدخال حرف في حرفٍ. . والرتةُ: كالرتج تمنع أول الكلام، فإذا جاء منه شيء اتصل. والغمغمة: أن تسمع الصوت ولا يتبين لك تقطيع الحروف. والطمطمة: أن يكون الكلام مشبهاً لكلامِ العجم. واللكنة: أن تعترض على الكلام اللغة الأعجمية. وسنفسر هذا بحججه حرفاً حرفاً، وما قيل فيه، إن شاء الله. واللثغة: أن يعدل بحرفٍ إلى حرف. والغنة: أن يشرب الحرف2 صوت الخيشوم. والخنة: أشد منها. والترخيم: حذف الكلام، يقال: رجل فافاء يا فتى! تقديره فاعالٌ ونظيره من الكلام: ساباطٌ وخاتام.
قال الراجز:
يا مي ذات الجورب المنشق ... أخذت خاتامي بغير حق













مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید