المنشورات

الأزارقة وولاة البصرة

ويروى أن نافعاً مر بمالك بن مسمع في الحرب التي كانت بين الأزد وربيعة وبني تميم، ونافع متقلد سيفاً، فقام إليه مالك فضرب بيده إلى حمالة سيفه وقال: ألا تنصرنا في حربنا هذه! فقال: لا يحل لي، قال: فما بال مؤمني بني تميم ينصرون كفارهم في هذه الحرب! فأمسك عنه، وخرج بعد ذلك بأيام إلى الأهواز، فلما قتل من قتل ممن بخازر من الخوارج في أيام ابن الماحوز كره ببة القتال، وأقام حارثة بن بدر الغداني بإزاء الخوارج، يناوشهم على غير ولاية، وكان يقول: ما عذرنا عند إخواننا من أهل البصرة إن وصل إليهم الخوارج ونحن دونهم! فكتب أهل البصرة إلى ابن الزبير يخبرونه بقعود ببة، ويسألونه أن يولي والياً، فكتب إلى أنس بن مالك أن يصلي بالناس، فصلى بهم أربعين يوماً، وكتب إلى عمر بن عبيد الله بن معمر فولاه البصرة. فلقيه الكتاب وهو يريد الحج، وهو في بعض الطريق، فرجع فأقام بالبصرة، وولى أخاه عثمان محاربة الأزارقة، فخرج إليهم في اثني عشر ألفاً، ولقيه حارقة فيمن كان معه، وعبيد الله بن الماحوز في الخوارج بسوق الأهواز، فلما عبروا إليهم دجيلاً نهض إليهم الخوارج، وذلك قبيل الظهر، فقال عثمان بن عبيد الله لحارثة بن بدر: أما الخوارج إلا ما أرى? فقال له حارثة: حسبك بهؤلاء! فقال: لا جرم، والله لا أتغدى حتى أناجزهم! فقال له حارثة: إن هؤلاء لا يقاتلون بالتعسف، فأبق على نفسك وجندك، فقال: أبيتم يا1 أهل العراق إلا جبنا! وأنت يا حارثة، ما علمك بالحرب? أنت والله بغير هذا أعلم! يعرض له بالشراب. فغضب حارثة، فاعتزل، وحاربهم عثمان يومه إلى أن غابت الشمس، فأجلت الحرب عنه قتيلاً، وانهزم الناس، وأخذ حارثة الراية، وصاح بالناس: أنا حراثة بن بدر، فثاب إليه قومه، فعبر بهم دجيلاً، وبلغ فل عثمان البصرة؛ وخاف الناس الخوارج خوفاً شديداً.
وعزل ابن الزبير عمر بن عبيد الله، وولى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، المعروف بالقباع، أحد بني مخزوم، وهو أخو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي الشاعر، فقدم البصرة، فكتب إليه حارثة ابن بدر يسأله الولاية والمدد، فأراد توليته1، فقال له رجل من بكر بن وائل: إن حارثة ليس بذاك، إنما هو رجل شراب2، وفيه يقول رجل من قومه3:
ألم تر أن حارثة بن بدر ... يصلي وهو أكفر من حمار
ألم تر أن للفتيان حظاً ... وحظك في البغايا والقمار
فكتب إليه القباع: تكفيني4 حربهم إن شاء الله.
فقام حارثة يدافعهم.
فقال شاعر من بني تميم يذكر عثمان بن عبيد الله بن معمر ومسلم بن عبيس وحارثة بن بدر:
مضى ابن عبيس صابراً غير عاجز ... وأعقبنا هذا الحجازي عثمان
فأرعد من قبل اللقاء ابن معمر ... وأبرق والبرق اليماني خوان
فضحت قريشاً غثها وسمينها ... وقيل بنو تيم بن مرة عزلان5
فلولا ابن بدر لعراقين لم يقم ... بما قام فيه للعراقين إنسان
إذا قيل من حام الحقيقة أومأت ... إليه معد بالأنوف وقحطان
قوله: فأرعد، زعم الأصمعي أنه خطأ، وأن الكميت أخطأ في قوله:
أرعد وأبرق يا يزيد ... فما وعيدك لي بضائر
وزعم أن هذا البيت الذي يرى لمهلهل، مصنوع محدث، وهو قوله:
أنبضوا معجس القسي وأبرقنا كما ترعد الفحول الفحولا1
وأنه لا يقال إلا "رعد وبرق" إذا أوعد وتهدد، وهو "يرعد ويبرق" وكذا يقال: رعدت السماء وبرقت، وأرعدنا وأبرقنا، إذا دخلنا في الرعد والبرق، قال الشاعر:
فقل لأبي قابوس ماشئت فارعد
وروى غير الأصمعي "أرعد" وأبرق على ضعف.
وقوله: و"البرق اليماني خوان"، يريد والبرق اليماني يخون. وأجود النسب إلى اليمن "يمني" ويجوز "يمان" بتخفيف الياء، وهو حسن، وهو في أكثر الكلام، تكون الألف عوضاً من إحدى الياءين، ويجوز "يماني" فاعلم، تكون الألف زائدة وتشدد الياء، قال العباس بن عبد المطلب:
ضربناهم ضرب الأحامس غدوة ... بكل يماني إذا هز صمما2












مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید