المنشورات

فيروز حصين وبعض أخباره

ونذكر فيروز حصين لما مر من ذكره: وكان فيروز حصين رجلاً جيد البيت في العجم، كريم المحتد، مشهر الآباء، فلما أسلم والي حصيناً، وهو حصين بن عبد الله العنبري، من بني العنبر بن تميم بن مر، ثم من ولد طريف بن تميم، وكان فيروز حصين شجاعاً جواداً، نبيل الصورة، جهير الصوت، وتروي الرواة أن رجلاً من العرب كانت أمه فتاة، فقاول بني عم له. فسبوه بالعجمية، ومر فيروز حصين، فقال: هذا خالي، فمن منكم له خال مثله? وظن الفتى1 أن فيروز لم يسمعها، وسمعها فيروز، فلما صار إلى منزله بعث إلى الفتى، فاشترى له منزلاً وجارية، ووهب له عشرة آلاف درهم.
ومن مآثره المعروفة أن الحجاج بن يوسف لما واقف ابن الأشعث برستقاباذ نادى منادي الحجاج: من أتى برأس فيروز فله عشرة آلاف درهم. ففصل فيروز من الصف، فصاح بالناس: من عرفني فقد اكتفى، ومن لم يعرفني فأنا فيروز حصين، وقد عرفتم مالي ووفائي، من أتى برأس الحجاج فله مائة ألف، فقال الحجاج، فوالله1 لقد تركني أكثر التلفت وإني لبين خاصتي. فأتى به الحجاج فقال له: أأنت الجاعل في رأس أميرك مائة ألف درهم2 ? قال: قد فعلت، فقال: والله لأمهدنك3 ثم لأحملنك؛ أين المال? قال: عندي فهل إلى الحياة من سبيل? قال: لا، قال: فأخرجني إلى الناس حتى أجمع لك المال فلعل قلبك يرق علي! ففعل الحجاج، فخرج فيروز فأحل الناس من ودائعه، وأعتق رقيقه، وتصدق بماله، ثم رد إلى الحجاج فقال: شأنك الآن فاصنع ما شئت، فشد في القصب الفارسي، ثم سل حتى شرح، ثم نضح بالخل والملح، فما تأوه حتى مات.
قال أبو العباس: ومضى قطري إلى كرمان، فانصرف خالد إلى البصرة، فأقام قطري بكرمان أشهراً، ثم عمد لفارس، وخرج خالد إلى الأهواز، وندب للناس رجلاً، فجعلوا يطلبون المهلب، فقال خالد: ذهب المهلب بحظ هذا المصر، إني قد وليت أخي قتال الأزارقة، فولى أخاه عبد العزيز، واستخلف المهلب على الأهواز في ثلثمائة، ومضى عبد العزيز في ثلاثين ألفاً، والخوارج بدراب جرد، فجعل عبد العزيز يقول في طريقه: يزعم أهل البصرة أن هذا الأمر لا يتم إلا بالمهلب، فسيعلمون! قال صعب بن زيد: فلما خرج عبد العزيز عن الأهواز جاءني كردوس حاجب المهلب فقال: أجب الأمير، فجئت إلى المهلب وهو في سطح وعليه ثياب هروية، فقال: يا صعب، أنا ضائع، كأني أنظر إلى هزيمة عبد العزيز، وأخشى أن توافيني الأزارقة ولا جند معي، فابعث رجلاً م قبلك يأتيني بخبرهم سابقاً به إلي، فوجهت رجلاً يقال له عمران بن فلان، فقلت: اصحب عسكر عبد العزيز واكتب إلي بخبر يوم يوم، أورده على المهلب.
فلما قاربهم عبد العزيز وقف وقفة، فقال له الناس: هذا يوم صالح، فينبغي أن تنزل4 - أيها الأمير - حتى نطمئن ثم نأخذ أهبتنا، فقال: كلا، الأمر قريب، فنزل الناس على غير أمره، فلم يستتم النزول حتى ورد عليهم سعد الطلائع في خمسمائة فارس، كأنهم خيط ممدود. فناهضهم عبد العزيز، فواقفوه ساعة، ثم انهزموا عنه مكيدة، فاتبعهم، فقال له الناس: لا تتبعهم فإنا على غير تعبية، فأبى، فلم يزل في آثارهم حتى اقتحموا عقبة، فاقتحمها وراءهم. والناس ينهونه، وكان قد جعل على بني تميم عبس بن طلق الصريمي، الملقب عبس الطعان، وعلى بكر بن وائل مقاتل بن مسمع القيسي وعلى شرطته رجلاً من بني ضبيعة بن نزار، فنزلوا عن العقبة ونزل خلفهم، وكان لهم في بطن العقبة كمين، فلما صاروا وراءها خرج عليهم الكمين. وعطف سعد الطلائع، فترجل عبس بن طلق فقتل، وقتل مقاتل بن مسمع، وقتل الضبعي1 صاحب الشرطة، وانحاز عبد العزيز، واتبعهم الخوارج على فرسخين يقتلونهم كيف شاؤوا، وكان عبد العزيز قد خرج معه بأم حفص ابنة المنذر بن الجارود امرأته. فسبوا النساء يومئذ، وأخذوا أسرى لا تحصى، فقذفوهم في غار بعد أن شدوهم وثاقاً، ثم سدوا عليهم بابه حتى ماتوا فيه.
وقال رجل حضر ذلك اليوم: رأيت عبد العزيز، وإن ثلاثين رجلاً ليضربونه بأسيافهم وما تحيك في جنته2.
يقال ما أحاك فيه السف، وما يحيك فيه، وما حك ذا الأمر في صدري، وما حكى في صدري، وما احتكى في صدري. ويقال: حاك الرجل في مشيته يحيك؛ إذا تبختر.
ونودي على السبي يومئذ، فغولي بأم حفص، فبلغ بها رجل سبعين ألفاً، وذلك الرجل من مجوس كانوا أسلموا ولحقوا بالخوارج، ففرض لكل واحد منهم خمسمائة، فكاد يأخذها، فشق ذلك على قطري وقال: ما ينبغي لرجل مسلم أن يكون عنده سبعون ألفاً، إن هذه لفتنة3، فوثب إليها أبو الحديد العبدي فقتلها، فأتي به قطري فقال له4: يا أبا الحديد، مهيم! فقال: يا أمير المؤمنين، رأيت المؤمنين قد تزايدوا في هذه المشركة، فخشيت عليهم الفتنة. فقال قطري: قد أصبت وأحسنت! فقال رجل من الخوارج:
كفانا فتنة عظمت وجلت ... بحمد الله سيف أبي الحديد
أهاب المسلمون بها وقالوا ... على فرط الهوى: هل من مزيد?
فزاد أبو الحديد بنصل سيف ... رقيق الحد فعل فتى رشيد
قوله: أهاب يريد أعلن، يقال أهبت به، إذا دعوته، مثل صوت، قال الشاعر:
أهاب بأحزان الفؤاد مهيب ... وماتت نفوس للهوى وقلوب
وقوله: مهيم حرف استفهام1، معناه: ما الخبر وما الأمر، فهو دال على ذلك محذوف الخبر، وفي الحديث أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى بعبد الرحمن بن عوف ردع خلوق2 فقال: "مهيم"! فقال: تزوجت يا رسول الله، فقال: "أولم ولو بشاة"، وكان تزوج على نواة، وأصحاب الحديث يروونه على نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم. وهذا خطأ وغلط. العرب تقول نواة فتعني بها خمسة دراهم، كما تقول: النش لعشرين درهماً، والأوقية لأربعين درهماً، فإنما هو اسم لهذا المعنى.
وكان العلاء بن مطرف السعدي ابن عمر عمرو القنا، وكان يحب أن يلقاه في تلك الحروب مبارزة، فلحقه عمرو القنا وهو منهزم، فضحك عمرو وقال متمثلاً:
تمناني ليلقاني لقيط ... أعام لك ابن صعصعة بن سعد
ثم صاح به: انج أبا المصدى! وكان عمرو القنا يكنى أيضاً أبا المصدى.
وهذا البيت الذي تمثل به عمرو ليزيد بن عمرو بن الصعق الكلابي، يقوله يعني لقيط بن زرارة، وكان يطلبه. وقوله: "أعام لك" يريد يا عامر، فرخم، وإنما يريد الحي تعجباً، أي لكم أعجب من تمنيه للقائي! فدعا بني عامر بن صعصعة، وهم بنو صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ياقل إن عامر بن صعصعة هو ابن سعد بن زيد مناة بن تميم، لا ابن معاوية، وإنهم ناقلة1 في قيس، ولذلك امتنعت2 بنو سعد من محاربتهم مع بني تميم يوم جبلة، ولذلك أنذرهم كرب بن صفوان.
وهذا البيت وضعه سيبويه في باب النداء الذي معناه معنى التعجب، وشبيه به قول الصلتان العبدي:
فيا شاعرا ًلا شاعر اليوم مثله ... جرير ولكن كليب تواضع
على معنى قوله: فلله دره شاعراً! وكان العلاء بن مطرف قد حمل معه امرأتين له، إحداهما من بني ضبة يقال لها أم جميل، والأخرى بنت عمه، وهي فلانة بنت عقيل، فطلق الضبية وتخلص بهما يومئذ، وحمل الضبية أولاً. ففي ذلك يقول:
ألست كريماً إذ أقول لفتيتي ... قفوا فاحملوها قبل بنت عقيل
ولو لم يكن عودي نضاراً لأصبحت ... تجر على المتنين أم جميل3
قال الصعب بن يزيد: بعثني المهلب لآتيه بالخبر، فضربت4 إلى قنطرة أربك5 على فرس اشتريته بثلاثة آلاف درهم، فلم أحسس خبراً، فسرت مهجراً إلى أن أمسيت، فلما أظلمنا سمعت كلام رجل عرفته من الجهاضم6، فقلت: ما وراءك? فقال: الشر، فقلت: فأين عبد العزيز? قال: أمامك، فلما كان من آخر الليل إذا أنا بزهاء خمسين فارساً معهم لواء، فقلت، لواء7 من هذا? فقالوا: هذا لواء عبد العزيز؛ فتقدمت إليه، فسلمت وقلت: أصلح الله الأمير! لا يكبرن عليك ما كان، فإنك كنت في شر جند وأخبثه. قال لي: أو كنت معنا? قلت: لا، ولكن كأني شاهد أمرك، قال: كأنك كنت معنا، قلت: أرسلني المهلب لآتيه بخبرك. ثم تركته وأقبلت إلى المهلب، فقال لي: ما وراءك? قلت ما يسرك، قد هزم عبد العزيز1 وقل جيشه. فقال: ويحك! وما يسرني من هزيمة رجل من قريش وقل جيش المسلمين! قلت: قد كان ساءك أو سرك، فوجه رجلاً إلى خالد يخبره. قال الرجل: فلما أخبرت خالداً قال: كذبت ولؤمت. ودخل رجل من قريش فكذبني. وقال لي خالد: والله لهممت أن أضرب عنقك. قلت: أصلح الله الأمير! إن كنت كاذباً فاقتلني، وإن كنت صادقاً مطرف هذا المتكلف. فقال خالد: لبئس ما أخطرت به دمك! فما برحت حتى دخل بعض الفل.
وقدم عبد العزيز سوق الأهواز، فأكرمه المهلب وكساه، وقدم معه على خالد، واستخلف ابنه حبيباً، وقال له: تحسس عن الأخبار، فإن أحسست بخبر الأزارقة قريباً منك فانصرف إلى البصرة على نهر تيرى، فلما دخلها أعلم خالد، فغضب عليه، واستتر حبيب في بني هلال بن عامر بن صعصعة. فتزوج هناك في استتاره الهلالية أم عباد بن حبيب.
وقال الشاعر لخالد يفيل رأيه، أي يخطئه:
بعثت غلاماً من قريش فروقة2 ... وتترك ذا الرأي الأصيل المهلبا
أبى الذم واختار الوفاء وأحكمت ... قواه وقد ساس الأمور وجربا
وقال الحارث بن خالد المخزومي:
فر عبد العزيز لما رأى الأب ... طال بالسفح نازلوا قطريا
ويروى:
فر عبد العزيز إذ راء عيسى ... وابن داود نازلاً قطريا
عاهد الله إن نجا ملمنايا ... ليعودن بعدها حرميا
يسكن الخل والصفاح فمرا ... ن وسلعا وتارة نجديا
حيث لا يشهد القتال ولا يس ... مع يوماً لكر خيل دويا
قوله: إذ راء عيسى، الأصل رأى ولكنه قلب فقدم الألف وأخر الهمزة، كما قال كثير:
وكل خليل راءني فهو قائل ... من اجلك هذا هامة اليوم أو غد
والقلب كثير في كلام العرب، وسنذكر منه شيئاً في موضعه إن شاء الله.
وقوله: ملمنايا يريد من المنايا، ولكنه حذف النون لقرب مخرجها من اللام، فكانتا كالحرفين يلتقيان على لفظ فيحذف أحدهما، ومن كلام العرب أن يحذفوا النون إذا لقيت لام المعرفة ظاهرة، فيقولون في بني الحارث وبني العنبر وما أشبه ذلك: بلحارث وبلعنبر وبلهجيم كما يقولون: علماء بنو فلان فحذفون إحدى اللامين.
وقوله: ليعودن بعدها حرميا العرب تنسب إلى الحرم فيقولون حرمي وحرمي على قولهم حرمة البيت وحرمة البيت، وقال النابغة الذبياني:
من قول حرمية قالت وقد رحلوا ... هل في مخفيكم من يشتري أدما1
والخل: ها هنا موضع، وأصله الطريق في الرمل.
وكتب خالد إلى عبد الملك بعذر عبد العزيز، وقال للمهلب: ما ترى عبد الملك صانعاً بي? قال: يعزلك، قال: أتراه قاطعاً رحمي? قال: نعم، قد2 أتته هزيمة أمية أخيك من البحرين، وتأتيه هزيمة أخيك عبد العزيز من فارس! قال أبو العباس: فكتب عبد الملك إلى خالد3:
أما بعد، فإني كنت حددت لك حداً في أمر المهلب، فلما ملكت أمرك نبذت طاعتي واستبددت برأيك، فوليت المهلب الجباية، ووليت أخاك حرب الأزارقة، فقبح الله هذا رأياً! أتبعث غلاماً غراً لم يجرب الحروب للحرب4، وتترك سيداً شجاعاً مدبراً حازماً قد مارس الحروب تشغله بالجباية،!
أما لو كافأتك على قدر ذبنك لأتاك من نكيري ما لا بقية لك معه، ولكن تذكرت رحمك فلفتني عنك، وقد جعلت عقوبتك عزلك.
وولى بشر بن مروان وهو بالكوفة وكتب إليه: أما بعد، فإنك أخو أمير المؤمنين، يجمعك وإياه مروان بن الحكم، وإن خالداً لا مجتمع له مع أمير المؤمنين دون أمية، فانظر المهلب بن أبي صفرة، فوله حرب الأزارقة، فإنه سيد بطل مجرب، فأمدده1 من أهل الكوفة بثمانية آلاف رجل.
فشق عليه ما أمره به2 في المهلب، وقال: والله لأقتلنه، فقاله له موسى بن نصير3: أيها الأمير3، إن للمهلب حفاظاً وبلاء ووفاء.
وخرج بشر بن مروان يريد البصرة، فكتب موسى وعكرمة إلى المهلب أن يتلقاه لقاء لا يعرفه به. فتلقاه المهلب على بغل، فسلم عليه في خمار الناس، فلما جلس بشر مجلسه قال: ما فعل أميركم المهلب? قالوا: قد تلقاك أيها الأمير وهو شاك.
فهم بشر أو يولي حرب الأزارقة عمر بن عبيد الله، فقال أسماء بن خارجة: إنما ولاك أمير المؤمنين لنرى رأيك. فقال له عكرمة ابن ربعي: اكتب إلى أمير المؤمنين وأعلمه علة المهلب. فكتب إليه يعلمه علة المهلب وأن بالبصرة من يغني غناءه، ووجه بالكتاب مع وفد أوفدهم إليه، رئيسهم عبد الله بن حكم المجاشعي، فلما قرأ الكتاب خلا بعبد الله بن حكيم فقال: إن لك ديناً ورأياً وحزماً، فمن لقتال هؤلاء الأزارقة? قال: المهلب. قال: إنه عليل. قال: ليست علته بمانعة4، فقال عبد الملك: أراد بشر أن يفعل ما فعل خالد.
فكتب 5إلى بشر5 يعزم عليه أن يولي المهلب، فوجه إليه. قال المهلب: أنا عليل ولا يمكنني الإختلاف، فأمر بشر بحمل الدواوين إليه، فجعل ينتخب، فاعترض بشر عله، فاقتطع أكثر نخبته، ثم عزم6 ألا يقيم بعد ثالثة، وقد أخذت الخوارج الأهواز وخلفوها وراء ظهورهم وصاروا بالفرات، فخرج إليهم المهلب حتى صار إلى شهار طاق، فأتاه شيخ من بني تميم، فقال: أصلح الله الأمير! إن سني ما ترى، فهبني لعيالي قال: على أن تقول للأمير إذا خطب فحثكم على الجهاد، كيف تحثنا على الجهاد وأنت تحبس أشرافنا وأهل النجدة منا? ففعل الشيخ ذلك، فقال بشر: وما1 أنت وذاك? قال: لا شيء، وأعطى المهلب رجلاً ألف درهم على أن يأتي بشراً فيقول له أيها الأمير أعن المهلب بالشرط والمقاتلة، ففعل الرجل ذلك، فقال له بشر: ما أنت وذاك? قال نصيحة حضرتني2 للأمير والمسلمين، ولا أعود إلى مثلها، فأمده بالشرطة والمقاتلة.
وكتب بشر إلى خليفته بالكوفة أن يعقد لعبد الرحمن بن مخنف على ثمانية آلاف من كل ربع ألفين، ويوجه به مدداً إلى المهلب، فلما أتاه الكتاب بعث إلى عبد الرحمن بن مخنف الأزدي فعقد له، واختار له من كل ربع ألفين، فكان على ربع أهل المدينة بشر بن جرير البجلي، وعلى ربع تميم وهمدان عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني، وعلى ربع كندة وربيعة محمد بن إسحاق بن الأشعث الكندي، وعلى مذحج وأسد حر بن قيس المذاحجي، فقدموا على بشر، فخلا بعبد الرحمن بن مخنف، فقال له: قد عرفت رأي فيك وثقتي بك، فكن عند ظني، انظر هذا المزوني فخالفه في أمره، وأفسد عليه رأيه، فخرج عبد الرحمن بن مخنف وهو يقول: ما أعجب ما طمع مني فيه هذا الغلام! يأمرني أن أصغر شيخاً من مشايخ أهلي وسيداً من ساداتهم! فلحق بالمهلب.
فلما أحس الأزارقة بدنوه منهم انكشفوا من الفرات، فاتبعهم المهلب إلى سوق الأهواز، فنفاهم عنها، ثم اتبعهم3 إلى رام هرمز فهزمهم منها، فدخلوا فارس وأبلى يزيد ابنه في وقائعه هذه بلاء شديداً4، تقدم فيه وهو ابن إحدى وعشرين سنة، فلما صار القوم بفارس وجه إليهم ابنه المغيرة، فقال له عبد الرحمن بن صبح: أيها الأمير! إنه5 ليس برأي قتل هذه الأكلب، ولئن والله قتلتهم لتقعدن في بيتك، ولكن طاولهم وكل بهم، فقال: ليس هذا من الوفاء.
فلم يلبث برام هرمز إلا شهراً حتى أتاهم1 موت بشر، فاضطرب الجند على ابن مخنف، فوجه إلى محمد بن إسحاق بن الأشعث ابن زحر واستحلفهما ألا يبرحا، فحلفا له ولم يقيا، ف-جعل الجند من أهل الكوفة يتسللون حتى اجتمعوا بسوق الأهواز، وأراد أهل الانسلال من المهلب، فخطبهم فقال: إنكم لستم كأهل الكوفة، إنما تبون عن مصركم وأموالكم وحرمكم فأقام منهم قوم وتسلل منهم ناس كثير.
وكان خالد بن عبد الله خليفة بشر بن مروان، فوجه مولى له بكتاب منه إلى من بالأهواز، يحلف فيه بالله مجتهداً، لئن لم يرجعوا إلى مراكزهم وانصرفوا عصاة لا يظفر بأحد منهم إلا قتله فجاء مولاه، فجعل يقرأ الكتاب عليهم ولا يرى في وجههم قبوله، فقال: إني لأرى وجوهاً ما القبول من شأنها، فقال له ابن زحر: أيها العبد، اقرأ ما في الكتاب وانصرف إلى صاحبك، فإنك لا تدري ما في أنفسنا، وجعلوا2 يستحثونه بقراءته، ثم قصدوا قصداً الكوفة، فنزلوا النخيلة، وكتبوا إلى خليفة بشر يسألونه أن يأذن لهم في الدخول فأبى، فدخلوها بغير إذن.
















مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید