المنشورات

عامر بن الطفيل وأربد أخي لبيد

وشبيه بهذا قول لبيد في أخيه أربد، لما أصابته الصاعقة وأصابت عامراً الغدة1 بدعوة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان عامر قد قدم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2 ومعه أربد، فقال لأربد: أنا أشغله لك واضربه أنت بالسيف من ورائه، فدعاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام على أن يجعل له أعنة الخيل، فقال عامر: ومن يمنعها مني اليوم! ولكن إن شئت ذلك المدر ولي الوبر، أو لي المدر ولك الوبر. فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: فاجعل لي هذا الأمر بعدك، فأعلمه النبي أن ذلك ليس بكائن، قال: فأبشر بخيل أولها عندك وآخرها عندي، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يأبى الله ذلك وابنا قيلة" يعني الأوس والخزرج.
ويروى أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله، علام يسحب هذا الأعرابي لسانه عليك! دعني أقتله.
ويروى أن عامراً قال للنبي عليه السلام: لأغزونك على ألف أشقر وألف شقراء، فلما قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهم اكفنيهما". وتروي قيس أنه قال:
"اللهم إن لم تهد عامراً فاكفنيه". وقال عامر لأربد: قد شغلته عنك مراراً فألا ضربته! قال: أربد: أردت ذلك مرتين فاعترض لي في إحداهما حائط من حديد، ثم رأيتك الثانية بيني وبينه، أفأقتلك! فلم يصل واحد منهما إلى منزله، أما عامر فغد في ديار بني سلول بن صعصة، فجعل يقول: أغدة كغدة البعير وموتاً في بيت سلولية! وأما أربد فارتفعت له سحابة فرمته بصاعقة فأحرقته، وكان أخا لبيد لأمه، فقال يرثيه:
أحشى على أربد الحتوف ولا ... أرهب نوء السماك والأسد
ما إن تعري المنون من أحد ... لا والد مشفق ولا ولد
فجعني الرعد والصواعق بالق ... ارس يوم الكريهة النجد1
يا عين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام العدو في كبد2
وقال أيضاً:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتحدثون مخانة وملاذة ... ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
يا أربد الخير الكريم جدوده ... غادرتني أمشي بقرن أعضب
إن الرزيئة لا رزيئة مثلها ... فقدان كل أخ كضوء الكوكب
قوله: في خلف يقال: هو خلف فلان لمن يخلفه من رهطه، وهؤلاء خلف فلان؛ إذا قاموا مقامه من غير أهله، وقلما يستعمل خلف إلا في الشر، وأصله ما ذكرنا. والمخانة: مصدر من الخيانة. والملوذ: الذي لا يصدق في مودته، يقال: رجل ملوذ وملذان، وملاذة مصدره. والأعضب: المقطوع. وفي الحديث: "لا يضحى بعضباء".
ويروى أن رجلاً قال لمعن بن زائدة في مرضه: لولا ما من الله به من بقائك، لكنا كما قال لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجر
فقال له معن: إنما تذكر أني سدت حين ذهب الناس؛ هلا قلت كما قال نهار بن توسعة:
قلدته عرى الأمور نزار ... قبل أن تهلك السراة البحور
ثم نرجع إلى ذكر المراثي:













مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید