المنشورات

مرثية ابن مناذر لعبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي

قال أبو العباس: ومن حلو المراثي وحسن التأبين شعر ابن مناذر، فإنه كان رجلاً عالماً مقدماً وشاعراً مفلقاً، وخطيباً مصقعاً، وفي دهر قريب، فله في شعره شدة كلام العرب بروايته وأدبه، وحلاوة كلام المحدثين بعصره ومشاهدته ولا يزال، وقد رمى في شعره بالمثل السائر، والمعنى اللطيف، واللفظ الفخم الجليل، والقول المتسق النبيل، وقصيدته لها امتداد وطول، وإنما نملي ما اخترنا من نحو ما وصفنا.
قال يرثي عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي - وكان به صباً، واعتبط عبد المجيد لعشرين سنة من غير ما علة، وكان من أجمل الفتيان وآدبهم وأظرفهم، فذلك حيث يقول ابن مُناذر:
حين تمت آدابه وتردى ... برداء من الشباب جديد
وسقاه ماء الشبيبة فاهتز ... اهتزاز الغصن الندي الأملود
وسمت نحوه العيون وما كا ... ن عليه لزائد من مزيد
وكأني أدعوه وهو قريب ... حين أدعوه من مكان بعيد
فلئن صار لا يجيب لقد كان ... سميعاً هشا إذا هو نودي
يا فتى كان للمقامات زيناً ... لا أراه في المحفل المشهود
لهف نفسي أما أراك، وما عن ... دك لي إن دعوت من مردود!
كان عبد المجيد سم الأعادي ... ملء عين الصديق رغم الحسود
عاد عبد المجيد رزءاً وقد كان ... رجاء لريب دهر كنود1
خنتك الود لم أمت كمداً بعدك ... إتي عليك حق جليد2
لو فدى الحي ميتاً لفدت نفسك ... نفسي بطارفي وتليدي
ولئن كنت لم أمت من جوى الحز ... ن عليه لأبلغن مجهودي
لأقيمن مأتماً كنجوم اللي ... ل زهراً يلطمن حر الخدود
موجعات يبكين للكبد الحرى ... عليه وللفؤاد السعيد
ولعين مطروفة أبداً قا ... ل لها الدهر: لا تقري وجودي
كلما عزك البكاء فأنفذ ... ت لعبد المجيد سجلا فعودي
لفتى يحسن البكاء عليه ... وفتى كان لامتداح القصيد
وأول هذا الشعر:
كل حي لاقي الحمام فمودي ... ما لحي مؤمل من خلود
لا تهاب المنون شيئاً ولا ترعي ... على والد ولا مولود
يقدح الدهر في شماريخ رضوى ... ويحط الصخور من هبود1
ولقد تترك الحوادث والأيام ... وهياً في الصخرة الصيخود2
وفي هذا الشعر مما استحسنته:
أين رب الحصن الحصين بسوراء ... ورب القصر المنيف المشيد3
شاد أركانه وبوبه بابي ... حديد وحفه بجنود
كان يجبى إليه ما بين صنعا ... ء فمصر إلى قرى بيرود4
وترى خلفه زرافات خيل ... جافلات تعدو بمثل الأسود
فرمى شخصه فأقصده الدهر ... ر بسهم من المنايا سديد
ثم لم ينجه من الموت حصن ... دونه خندق وبابا حديد
وملوك من قبله عمروا الأر ... ض أعينوا بالنصر والتأييد
فلو أن الأيام أخلدن حياً ... لعلاء أخلدن عبد المجيد
ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجود!
ويح أيد حثت عليه وأيد ... دفنته، ما غيبت في الصعيد!
إن عبد المجيد يوم تولى ... هد ركناً ما كان بالمهدود
[وأرانا كالزرع يحصده الده ... ر فمن بين قائم وحصيد
وكأنا للموت ركب مخبو ... ن سراعاً لمنهل مورود] 1
هد ركني عبد المجيد وقد كن ... ت بركن أنوء منه شديد
فبعبد المجيد تأمور نفسي ... عثرت بي بعد انتعاش جدودي2
وبعبد المجيد شلت يدي اليم ... نى وشلت به يمين الجود
وفي هذا الشعر:
فبرغمي كنت المقدم قبلي ... وبكرهي دليت في الملحود
كنت لي عصمة وكنت سماء ... بك تحيا أرضي ويخضر عودي












مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید