المنشورات

أخبار من وقفوا على القبور

قال أبو العباس: ووقف حبار بن سلمى على قبر عامر بن الطفيل، ولم يكن حضره، فقال: أنعم صباحاً أبا علي! فوالله لقد كنت سريعاً إلى المولى بوعدك، بطيئاً عنه بإيعادك، ولقد كنت أهدى من النجم، وأجرى من السيل. ثم التفت إليهم فقال: كان ينبغي أن تجعلوا قبر أبي علي ميلاً في ميل! وذكر الحرمازي أن الأحنف بن قيس لما مات، وكان موته بالكوفة، مشى المصعب بن الزبير في جنازته بغير رداء، وقال: اليوم مات سيد العرب، فلما دفن قامت امرأة على قبره - أحسبها من بني منقر - فقالت: لله درك من مجن في جنن1، ومدرج في كفن! فنسأل الذي فجعنا بموتك، وابتلانا بفقدك، أن يجعل سبيل الخير سبيلك، ودليل الخير دليلك، وأن يوسع لك في قبرك، ويغفر لك يوم حشرك، وفوالله لقد كنت في المحافل شريفاً، وعلى الأرامل عطوفاً، ولقد كنت في الحي مسوداً، وإلى الخليفة موفداً، ولقد كانوا لقولك مستمعين، ولرأيك متبعين. قال: فقال الناس: ما سمعنا كلام امرأة أبلغ ولا أصدق معنى منها.
ووقف رجل على قبر النجاشي فترحم وقال: لولا أن القول لا يحيط بما فيك، والوصف يقصر دونك لأطنبت، بل لأسهبت. ثم عقر ناقته على قبره، وقال:
عقرت على قبر النجاشي ناقتي ... بأبيض عضب أخلصته صياقله
على قبر من لو أنني مت قبله ... لهانت عليه عند قبري رواحله
وروى ابن دأب أن حسان بن ثابت الأنصاري اجتاز بقبر ربيعة بن مكدم فأنشد:
لا يبعدن ربيعة بن مكدم ... وسقى الغوادي قبره بذنوب
نفرت قلوصي من حجارة حرة ... نصبت على طلق اليدين وهوب
لا تنفري يا ناق منه فإنه ... شريب خمر مسعر لحروب2
لولا السفار وطول قفر مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب3
نعم الفتى أدى نبيشة رحله ... يوم الكديد نبيشة بن حبيب
وربيعة بن مكدم - رجل من بني كنانة، وكان قتله أهبان بن غادية الخزاعي، وقيس تقول: قتله نبيشة بن حبيب السلمي، وكان أهبان أخا نبيشة لأمه، وكان أتاه زائراً. وأغار ربيعة بن مكدم على بني سليم، فخرج أهبان مع أخيه، فحمل عليه فقتله، وحمل أخو ربيعة على أهبان فقتله، فلأنه في بني سليم، قال حسان:
نفرت قلوصي من حجارة حرة
لأن الحرة هناك لبني سليم، وفي تصداق ما تدعيه خزاعة يقول أهبان:
ولقد طعنت ربيعة بن مكدم ... يوم الكديد فخر غير موسد
في عارض شرق بنات فؤاده ... منه بأحمر كالنقيع المجسد
ولقد وهبت سلاحه وجواده ... لأخي نبيشة قبل لوم الحسد
وقال أخو ربيعة يجيبه:
فات ابن غادية المنية بعد ما ... رفعت أسفل ذيله بالمطرد1
قل لابن غادية المتاح لقتلنا ... ما كان يقتلنا الوحيد المفرد
يريد أن أهبان مفرد من قومه في أخواله.
وقال أيضاً:
فإن تذهب سليم بوتر قومي ... فأسلم من منازلنا قريب














مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید