المنشورات

أطعتك يا إبليس

البحر: طويل
دخل المربد فلقي رجلاً من موالي باهلة يقال له حمام، ومعه نحي من سمن يبيعه، فسامه الفرزدق به، فقال له حمام: أدفعه إليك، وتهب لي أعراض قومي؟ ففعل، ويهجو فيها إبليس فقال:
(إِذا شِئتُ هاجَتني دِيارٌ مُحيلَةٌ ** وَمَربِطُ أَفلاءٍ أَمامَ خِيامِ)
(بِحَيثُ تَلاقى الدَوُّ وَالحَمضُ هاجَتا ** لِعَينَيَّ أَغراباً ذَواتَ سِجامِ)
(فَلَم يَبقَ مِنها غَيرُ أَثلَمَ خاشِعٍ ** وَغَيرُ ثَلاثٍ لِلرَمادِ رِئامِ)
(أَلَم تَرَني عاهَدتُ رَبّي وَإِنَّني ** لَبَينَ رِتاجٍ قائِمٌ وَمَقامِ)
(عَلى قَسَمٍ لا أَشتُمُ الدَهرَ مُسلِماً ** وَلا خارِجاً مِن فِيَّ سوءَ كَلامِ)
(أَلَم تَرَني وَالشِعرَ أَصبَحَ بَينَنا ** دُروءٌ مِنَ الإِسلامِ ذاتُ حُوامِ)
(بِهِنَّ شَفى الرَحمَنُ صَدري وَقَد جَلا ** عَشا بَصَري مِنهُنَّ ضَوءَ ظَلامِ)
(فَأَصبَحتُ أَسعى في فَكاكِ قِلادَةٍ ** رَهينَةِ أَوزارٍ عَلَيَّ عِظامِ)
(أُحاذِرُ أَن أُدعى وَحَوضي مُحَلِّقٌ ** إِذا كانَ يَومُ الوِردِ يَومَ خِصامِ)
(وَلَم أَنتَهِ حَتّى أَحاطَت خَطِيئَتي ** وَرائي وَدَقَّت لِلدُهورِ عِظامي)
(لَعَمري لَنِعمَ النِحيُ كانَ لِقَومِهِ ** عَشِيَّةَ غَبَّ البَيعُ نَحيُ حُمامِ)
(بِتَوبَةِ عَبدٍ قَد أَنابَ فُؤادُهُ ** وَما كانَ يُعطي الناسَ غَيرَ ظِلامِ)
(أَطَعتُكَ يا إِبليسُ سَبعينَ حِجَّةً ** فَلَمّا اِنتَهى شَيبي وَتَمَّ تَمامي)
(فَرَرتُ إِلى رَبّي وَأَيقَنتُ أَنَّني ** مُلاقٍ لِأَيّامِ المَنونَ حِمامي)
(وَلَمّا دَنا رَأسُ الَّتي كُنتُ خائِفاً ** وَكُنتُ أَرى فيها لِقاءَ لِزامِ)
(حَلَفتُ عَلى نَفسي لِأَجتَهِدَنَّها ** عَلى حالِها مِن صِحَّةٍ وَسَقامِ)
(أَلا طالَ ما قَد بِتُّ يوضِعُ ناقَتي ** أَبو الجِنِّ إِبليسٌ بِغَيرِ خِطامِ)
(يَظَلُّ يُمَنّيني عَلى الرَحلِ وارِكاً ** يَكونُ وَرائي مَرَّةً وَأَمامي)
(يُبَشِّرُني أَن لَن أَموتَ وَأَنَّهُ ** سَيُخلِدُني في جَنَّةٍ وَسَلامِ)
(فَقُلتُ لَهُ هَلّا أُخَيَّكَ أَخرَجَت ** يَمينُكَ مِن خُضرِ البُحورِ طَوامِ)
(رَمَيتَ بِهِ في اليَمِّ لَمّا رَأَيتَهُ ** كَفِرقَةِ طَودَي يَذبُلٍ وَشَمامِ)
(فَلَمّا تَلاقى فَوقَهُ المَوجَ طامِياً ** نَكَصتَ وَلَم تَحتَل لَهُ بِمَرامِ)
(أَلَم تَأتِ أَهلَ الحِجرِ وَالحِجرُ أَهلُهُ ** بِأَنعَمِ عَيشٍ في بُيوتِ رُخامِ)
(فَقُلتَ اِعقِروا هَذي اللَقوحَ فَإِنَّها ** لَكُم أَو تُنيخوها لَقوحُ غَرامِ)
(فَلَمّا أَناخوها تَبَرَّأتَ مِنهُمُ ** وَكُنتَ نَكوصاً عِندَ كُلِّ ذِمامِ)
(وَآدَمَ قَد أَخرَجتَهُ وَهوَ ساكِنٌ ** وَزَوجَتَهُ مِن خَيرِ دارِ مُقامِ)
(وَأَقسَمتَ يا إِبليسُ أَنَّكَ ناصِحٌ ** لَهُ وَلَها إِقسامَ غَيرِ إِثامِ)
(فَظَلّا يَخيطانِ الوِراقَ عَلَيهِما ** بَأَيديهِما مِن أَكلِ شَرِّ طَعامِ)
(فَكَم مِن قُرونٍ قَد أَطاعوكَ أَصبَحوا ** أَحاديثَ كانوا في ظِلالِ غَمامِ)
(وَما أَنتَ يا إِبليسُ بِالمَرءِ أَبتَغي ** رِضاهُ وَلا يَقتادُني بِزِمامِ)
(سَأُجزيكَ مِن سَوآتِ ما كُنتَ سُقتَني ** إِلَيهِ جُروحاً فيكَ ذاتَ كِلامِ)
(تُعَيِّرُها بِالنارِ وَالنارُ تَلتَقي ** عَلَيكَ بِزَقّومٍ لَها وَضِرامِ)
(وَإِنَّ اِبنَ إِبليسٍ وَإِبليسُ أَلبَنا ** لَهُم بِعَذابِ الناسِ كُلَّ غُلامِ)
(هُما تَفَلا في فِيَّ مِن فَمَوَيهِما ** عَلى النابِحِ العاوي أَشَدُّ رِجامِ)













مصادر و المراجع :

١- ديوان الفرزدق

المؤلف: أبي فراس همّام بن غالب بن صعصعة ابن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، ولقب بالفرزدق لجهامة وجهه وضخامته.

(38 هـ - 658 م) (110 هـ - 728 م)

شرحه وضبطه وقدّم له: الأستاذ علي فاعور

الناشر: دار الكتب العلمية

بيروت - لبنان

الطبعة: الأولى (1407 هـ - 1987 م)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید