المنشورات

هو البَرُّ في بحرٍ، وإن سكَنَ البَرّا

هو البَرُّ في بحرٍ، وإن سكَنَ البَرّا،
إذا هو جاءَ الخيرَ لم يَعْدَمِ الشرّا

وهل تظفَرُ الدّنيا عليّ بمِنّةٍ،
وما ساءَ فيها النّفسَ أضْعافُ ما سرّا

يُلاقي حليفُ العيشِ ما هوَ كارِهٌ،
ولو لم يكُنْ إلاّ الهواجرَ والقُرّا

نوائبُ منها عمّتِ الكهلَ، والفتى،
وطفلَ الوَرى، والشيخَ، والعبدَ، والحرّا

إذا وُصلَتْ، بالجسم، رُوحٌ، فإنّها
وجُثمانها تَصلَى الشّدائدَ والضّرّا

بدا فرحٌ مِنْ مُعْرِسٍ، أفما درى
بما اختارَ مِنْ سُوءِ الفِعالِ، وما جرّا؟

سعَى آدَمُ جَدُّ البريةِ في أذًى
لذرّيّةٍ، في ظهْرِه، تُشبِهُ الذَّرّا

تلا النّاسُ، في النّكراءِ، نهجَ أبيهمُ،
وغُرَّ بنُوهُ، في الحياةِ، كما غُرّا

يقولُ الغُواةُ: الخِضرُ حيٌّ، عليهِمُ
عفاءٌ، نعم ليلٌ، منَ الفتنِ، اخضرّا

ولو صدقُوا، ما انفَكّ في شرّ حالةٍ
يُعاني بها الأسفارَ، أشعَثَ، مُغبرّا

ولكنّ مَنْ أعطاهُمُ الخبرَ افترى،
وأُلفيَ مثلَ السيِّد، أجمَعَ وافترّا

جَنى قائلٌ بالمَينِ، يطلُبُ ثروةً،
ويُعذَرُ فيهِ مَنْ تَكَذّبَ مَضطرّا

خُذا الآنَ فيما نحنُ فيهِ، وخلّيا
غداً، فهو لم يَقْدُمْ، وأمسِ، فقد مرّا

لنفْسيَ ما أطْعَمْتُ، لم يَدْرِ آكلٌ،
سوايَ، أحُلْواً، جازَ في الفم، أم مُرّا

ومن شِيَمِ الإنس العُقُوقُ، وجاهلٌ
مُحاوِلُ بِرٍّ عندَ مَنْ أكلَ البُرّا

عجبتُ لهذي الشّمسِ، يمضي نهارُنا،
إذا غَرَبَتْ، حتى إذا طَلَعتْ كَرّا

لها ناظِرٌ لم يَدْرِ ما سِنَةُ الكَرى،
ولا ذُرّ، مُذ قالَ المليكُ له: ذُرّا

وساعاتُنا، كالخيل، تجري إلى مدًى،
حوالكَ، دُهماً، لا محجَّلةً، غُرّا

نعيمٌ طما عند امرىءٍ، ومسخَّرٌ
له، بمجالِ الحُوتِ يلتمِسُ الدُّرّا

سوايَ الذي أرْعى السّوامَ، وساقَه،
وبالجَدّ، لا بالسّعيِ، أحتلبُ الدَّرّا

ومن ذا الذي يَنضو لِباسَ بَقائِهِ
نَقيَّ بياضٍ، لم يُدَنِّسْ له زِرّا؟












مصادر و المراجع :

١- ديوان أبي العلاء المعري

المؤلف: أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري (363 - 449 هـ)

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید