المنشورات

لم يخطر سواكم على بالي

[البحر الطويل] أرى البعد لم يخطر سواكم على بالي ... وإن قرّب الأخطار من جسدي البالي (3)
... فيا حبّذا الأسقام، في جنب طاعتي ... أوامر أشواقي، وعصيان عذّالي (4)
... ويا ما ألذّ الذلّ في عزّ وصلكم ... وإن عزّ، ما أحلى تقطّع أوصالي (5)
... نأيتم، فحالي بعدكم ظلّ عاطلا ... وما هو ممّا ساء، بل سرّكم حالي (6)
(1) نصب عيني: امام ناظري. سروا: مشوا ليلا. حلّوا: أقاموا.
م. ص. السري كناية عن أعمال التقي التي اكثر ما تكون ليلا.
(2) الحنو: الحنين والعطف. جفوا: صدوا. ملّوا: سئموا.
م. ص. اني اشتاق دائما إلى شهود التجليات الإلهية وان استترت عني وحجبتني عن مشاهدتها. فإن العظمة الإلهية لها التجلي أو الاستتار على حسب ما تريد وتختار.
والحمد للََّه
(3) لم يخطر: لم يمر في الذهن. الأخطار: الأمور المخيفة. البالي: الفاسد.
(4) الأسقام: جمع سقم وهو المرض. العذال مفردها العاذل وهو اللائم.
المعنى الصوفي: انه يطيع عصيان من يلومه على المحبة كما انه مطيع أوامر اشواقه وذلك بسبب المرض والتحول في المحبة الإلهية طلبا للوصول وحصول القبول.
(5) الوصل: اللقاء. الأوصال: الأجزاء والأعضاء.
م. ص. الخطاب للحضرات والأسماء والصفات العلية فإن وصلها عزيز والوصول إليها مطلوب.
(6) نأيتم: بعدتم.
م. ص. ظل عاطلا كناية عن احوال أهل الدنيا فلا ورع ولا تقى. وحسنه مقبول لأنه فائض عن الأسماء والصفات الإلهية.
بليت به لمّا بليت صبابة ... أبلّت، فلي منها صبابة إبلال (1)
... نصبت على عيني، بتغميض جفنها ... لزورة زور الطّيف، حيلة محتال (2)
... فما أسعفت بالغمض، لكن تعسّفت ... عليّ بدمع، دائم الصّوب، هطّال (3)
... فيا مهجتي، ذوبي على فقد بهجتي، ... لترحال آمالي، ومقدم أوجالي (4)
... وضنّي بدمع، قد غنيت بفيض ما ... جرى من دمي، إذ طلّ ما بين أطلال (5)
... ومن لي بأن يرضى الحبيب، وإن علا ... النّحيب، فإبلالي بلائي وبلبالي (6)
... فما كلفي في حبّه كلفة له، ... وإن حلّ ما ألقى من القيل والقال (7)
م. ص. ظل عاطلا كناية عن احوال أهل الدنيا فلا ورع ولا تقى. وحسنه مقبول لأنه فائض عن الأسماء والصفات الإلهية.
بليت به لمّا بليت صبابة ... أبلّت، فلي منها صبابة إبلال (1)
... نصبت على عيني، بتغميض جفنها ... لزورة زور الطّيف، حيلة محتال (2)
... فما أسعفت بالغمض، لكن تعسّفت ... عليّ بدمع، دائم الصّوب، هطّال (3)
... فيا مهجتي، ذوبي على فقد بهجتي، ... لترحال آمالي، ومقدم أوجالي (4)
... وضنّي بدمع، قد غنيت بفيض ما ... جرى من دمي، إذ طلّ ما بين أطلال (5)
... ومن لي بأن يرضى الحبيب، وإن علا ... النّحيب، فإبلالي بلائي وبلبالي (6)
... فما كلفي في حبّه كلفة له، ... وإن حلّ ما ألقى من القيل والقال (7)
(1) بليت: بضم الباء فنيت. بليت بفتح الباء: أصبت. الصبابة: مرض العشق.
الإبلال: مصدر أبل بمعنى شفي.
م. ص. بليت به اي بالمحبوب الحقيقي. والصبابة هي العشق وحالات الوجد الصوفي. والابلال بقايا الشوق في نفس المريض.
(2) نصبت: أقمت. الزورة: الزيارة. الطيف: الخيال.
م. ص. الطيف كناية عن التجليات الإلهية والتغميض كناية عن النوم وفي ذلك إشارة إلى قوله (صلّى اللََّه عليه وسلّم) «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا».
(3) أسعفت: أعانت. تعسفت: ظلمت. الصوب: النزول. الهطّال: الغزير.
م. ص. عدم النوم كناية لعدم رؤية المحبوب الحقيقي وذلك بسبب السهر الدائم ترقبا لطيف الرحمة الإلهية.
(4) البهجة: السرور. الترحال: الرحيل. المقدم: المجيء. الاوجال: واحدها الوجل أي الخوف.
م. ص. الخطاب للروح وهي ما سميت بالمهجة والدعوة لها بترك الجمود الذي يمنع عن شهود الحق الذي هو كلمح البصر وغيبة البهجة أو فقدها كناية عن عدم رؤية الجمال الحق.
(5) ضني: ابخلي. طل: أريق. الاطلال: بقايا الأثر.
(6) النحيب: البكاء. الابلال: النجاة أو الشفاء من البلوى والمرض. البلبال: الحزن.
(7) الكلف: المشقة. القيل والقال: كلام الناس.
م. ص. الإجلال: فيض المحبوب الحقيقي والقيل والقال كناية عن كلام الوشاة والحاسدين في الحب وعلاقة المحب بالمحبوب.
بقيت به، لمّا فنيت بحبّه، ... بثروة إيثاري، وكثرة إقلالي (1)
... رعى اللََّه مغنى لم أزل في ربوعه، ... معنّى، وقل إن شئت: «يا ناعم البال»! (2)
... وحيّا محيّا عاذل لي لم يزل ... يكرّر من ذكرى أحاديث ذي الخال (3)
... روى سنّة عندي، فأروى من الصّدى، ... وأهدى الهدى، فأعجب وقد رام إضلالي (4)
... فأجبت لوم اللّؤم فيه، لو انّني ... منحت المنى، كانت علامة عذّالي ... جهلت بأن قلت: اقترح يا معذّبي عليّ، ... فأجلى لي وقال: «اسل سلسالي» (5)
... وهيهات أن أسلو، وفي كلّ شعرة، ... لحتفي، غرام مقبل ايّ إقبال (6)
... وقال لي اللاحي، مرارة قصده ... تحلّى بها، دع حبّه قلت: أحلى لي (7)
م. ص. الإجلال: فيض المحبوب الحقيقي والقيل والقال كناية عن كلام الوشاة والحاسدين في الحب وعلاقة المحب بالمحبوب.
بقيت به، لمّا فنيت بحبّه، ... بثروة إيثاري، وكثرة إقلالي (1)
... رعى اللََّه مغنى لم أزل في ربوعه، ... معنّى، وقل إن شئت: «يا ناعم البال»! (2)
... وحيّا محيّا عاذل لي لم يزل ... يكرّر من ذكرى أحاديث ذي الخال (3)
... روى سنّة عندي، فأروى من الصّدى، ... وأهدى الهدى، فأعجب وقد رام إضلالي (4)
... فأجبت لوم اللّؤم فيه، لو انّني ... منحت المنى، كانت علامة عذّالي ... جهلت بأن قلت: اقترح يا معذّبي عليّ، ... فأجلى لي وقال: «اسل سلسالي» (5)
... وهيهات أن أسلو، وفي كلّ شعرة، ... لحتفي، غرام مقبل ايّ إقبال (6)
... وقال لي اللاحي، مرارة قصده ... تحلّى بها، دع حبّه قلت: أحلى لي (7)
(1) الإيثار: التكرم بالشيء رغم الحاجة إليه. الإقلال: الحاجة.
م. ص. الفناء كناية عن انقطاع العبد عن المعبود وانشغاله بالشؤون الذاتية. والإيثار وصل إلى مقام البقاء بالله بعد الفناء فيه وكثرة الإقلال كناية عن الحاجة إلى اللََّه تعالى كما في قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرََاءُ إِلَى اللََّهِ}.
(2) المغنى: المنزل الذي يغني صاحبه عن منازل غيره. الربوع: الجوار. معنى:
مريض.
م. ص. المغنى: كناية عن العالم الإنساني. والربوع الحضرات الإلهية التي تظهر فيها التجليات الإلهية.
(3) المحيا: الوجه. العاذل: اللائم. ذي الخال: صاحب الشامة على الخد.
م. ص. الخال كناية عن النقطة السوداء في الوجه الإلهي وهي الكون لأن الكون ظلمة وإنما اناره ظهور الحق.
(4) السنة: الطريق. أروى: أطفأ الظلمأ. الصدى: العطش. رام: أراد أو طلب.
م. ص. السنة كناية عن سلوك درب الحق على سنة محمد (صلّى اللََّه عليه وسلّم).
(5) أجلى: أظهر. اسل: انس. السلسال: الماء العذب وهو الريق.
م. ص. الخطاب إلى المحبوب الحقيقي وهو اللََّه تعالى. وقوله اجلى كناية عن ظهور نور الحق. والسلسال كناية عمّا يظهر من الأكوان.
(6) اسلو: أنسى. الحتف: الموت.
(7) اللاحي: اللائم أو المبغض.
م. ص. كيف اترك هذه المحبة ولو كانت مرة فهي عندي اكثر حلاوة من كل شيء حلو واشتهى من كل لذيذ فكيف اترك ما أجده حلوا وأصير من محبته خلوا؟.
بذلت له روحي لراحة قربه، ... وغير عجيب بذلي الغال في الغالي (1)
... فجاد، ولكن بالبعاد، لشقوتي، ... فيا خيبة المسعى، وضيعة آمالي! (2)
... وحان له حيني، على حين غرّة، ... ولم أدر أنّ الآل يذهب بالآل (3)
... تحكّم في جسمي النّحول، فلو أتى ... لقبضي رسول، ضلّ في موضع خال (4)
... فلو همّ باقي السقم بي لاستعان، في ... تلافي بما حالت له، من ضنى، حالي (5)
... ولم يبق منّي ما يناجي توهّمي، ... سوى عزّ ذلّ في مهانة إجلال (6)
م. ص. كيف اترك هذه المحبة ولو كانت مرة فهي عندي اكثر حلاوة من كل شيء حلو واشتهى من كل لذيذ فكيف اترك ما أجده حلوا وأصير من محبته خلوا؟.
بذلت له روحي لراحة قربه، ... وغير عجيب بذلي الغال في الغالي (1)
... فجاد، ولكن بالبعاد، لشقوتي، ... فيا خيبة المسعى، وضيعة آمالي! (2)
... وحان له حيني، على حين غرّة، ... ولم أدر أنّ الآل يذهب بالآل (3)
... تحكّم في جسمي النّحول، فلو أتى ... لقبضي رسول، ضلّ في موضع خال (4)
... فلو همّ باقي السقم بي لاستعان، في ... تلافي بما حالت له، من ضنى، حالي (5)
... ولم يبق منّي ما يناجي توهّمي، ... سوى عزّ ذلّ في مهانة إجلال (6)
(1) بذلت: وهبت. الغالي الأولى الروح. والغالي الثانية راحة القرب.
م. ص. قوله الغال كناية عن روحه التي بذلها وقوله في الغالي على قلوب العابدين كناية عن وجه الحق. وهو ذو الخال الذي تقدم ذكره سابقا.
(2) جاد: تكرم. الشقوة: التعاسة.
(3) حيني: موتي. الآل الأولى: السراب. الآل الثانية: الأهل.
م. ص. الآل أي السراب كناية عن عالم الأكوان الفاني الذي يخيب ظن من تعلق به.
(4) النحول: الرقة وضعف الجسد. قبضي: أخذ روحي. ضلّ: تاه.
م. ص. النحول كناية عن تعب الأجساد في طلب المراد. والموضع الخالي كناية عن الروح التي تصعد نحو خالقها مفارقة للجسد.
(5) همّ: أراد قتلي. القسم: الضعف. الفناء: النحول والمرض.
والمعنى لو أراد ما بقي من جسدي من السقم هلاكي لاستعان على ذلك بنحول جسدي من الضنا والأسقام.
(6) المهانة: التحقير. الإجلال: الوقار والاحترام.
م. ص. يعني انه فني في وجود محبوبه الحقيقي وبادت رسومه الظاهرة والباطنة. فلم يبق في نفسه ما يناجي به نفسه وإنما بقي منه ذل وانكسار وهما بمثابة عز وافتخار له أما مهانته وابتذاله فهما تعظيم له وإجلال.
والحمد للََّه رب العالمين











مصادر و المراجع :

١- ديوان ابن الفارض

المؤلف: ابن الفارض، هو أبو حفص شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي (632)

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید