المنشورات

دوني فناء للأمير

(الطويل)
وضع الشريف الرضي هذه القصيدة مادحا الوزير أبا منصور بن صالح وذاكرا هزيمة باد الكردي الخارجي بالجزيرة والموصل.
أشوقا، وما زالت لهنّ قباب ... وذكر تصاب والمشيب نقاب
وغير التّصابي للكبير تعلّة ... وغير الغواني للبياض صحاب (1)
وما كلّ أيّام المشيب مريرة، ... ولا كلّ أيّام الشّباب عذاب
أومّل ما لا يبلغ العمر بعضه، ... كأنّ الذي بعد المشيب شباب
وطعم لبازي الشّيب لا بدّ مهجتي، ... أسفّ على راسي، وطار غراب (2)
لداتك إمّا شبت واتّبعوا الرّدى ... جميعا، وإمّا إن رديت وشابوا (3)
بكاء على الدّنيا وليس غضارة، ... وماض من الدّنيا وليس مآب (4)
إذا شئت قلّبت الزّمان وصافحت ... لحاظي أمورا، كلّهنّ عجاب
ضلالا لقلبي ما يجنّ من الهوى، ... ومن عجب الأيّام كيف يصاب (5)
يعذّل أحيانا ويعذر مثلها، ... ويستحسن البادي به، ويعاب
وإنّ أفظّ المالكين خريدة، ... وإنّ أضنّ الباذلين كعاب (1)
ولمّا أبى الأظعان إلّا فراقنا، ... وللبين وعد ليس فيه كذاب
رجعت، ودمعي جازع من تجلّدي، ... يروم نزولا للجوى فيهاب (2)
وأثقل محمول على العين دمعها، ... إذا بان أحباب وعزّ إياب (3)
فمن كان هذا الوجد يعمر قلبه ... فقلبي من داء الغرام خراب
ومن لعبت بيض الثّغور بعقله، ... فعندي أحرّ الباردين رضاب
يعفّ عن الفحشاء ذيلي، كأنّما ... عليه نطاق دونها وحجاب
إذا لم أنل من بلدة ما أريده، ... فما سرّني أنّ البلاد رحاب
وهل نافعي أن يكثر الماء في الدّنا، ... ولما يجرني، إن ظمئت، شراب (4)
ولي ساعة في كلّ أرض، كأنّما ... على الجوّ منها والعيون ضباب
بعيدة أولى النّقع من أخرياته، ... وللطّعن فيها جيئة وذهاب
وما بين خيلي والمطالب حاجز، ... ولا دون عزمي للظّلام حجاب
جياد إلى غزو القبائل تمتطى، ... وأرض إلى نيل العلاء تجاب
وأبلج وطّاء على خدّ ليله، ... كما فارق النّصل المضيّ قراب (5)
يعاف طعاما ما جناه حسامه، ... وخير من الطّعم الذّليل تراب (6)
وكيف يخاف الذّلّ من كان داره ... ظلام اللّيالي، والرّماح جناب (7)
وما يبلغ الأعداء منّي بفتكة، ... ودوني فناء للأمير وباب
تساقط أطراف الأسنّة دونه، ... وتنبو، ولو أنّ النّجوم حراب (1)
لبست به ثوبا من العزّ، يتّقى ... طعان من البلوى به، وضراب
دعوت، فلبّاني، ولو كنت داعيا ... سواه مضى قول وعيّ جواب
وإنّ العطايا من يمين محمّد ... لأمطر من قطر مراه سحاب (2)
لحاظ كما شقّ العجاج مهنّد، ... ووجه كما جلّى الظّلام شهاب (3)
بلا شافع يعطي الذي أنت طالب، ... وبعض مواعيد الرّجال سراب
فتى تقلق الأعداء منه، كأنّه ... لظى ناجر، والخالعون ضباب (4)
إذا شاء ناب القول عن فعلاته، ... وقام مقام العضب منه كتاب
يعظّم أحيانا، وليس تجبّر، ... وينظر غضبانا، وليس سباب
بغيض إلى قلبي سواه، وإن غدت ... له نعم تترى إليّ رغاب (5)
وعبء على عينيّ رؤية غيره، ... ولو كان لي فيه منى وطلاب
فلا جود إلّا أن تملّ مطامع، ... ولا عفو إلّا أن يطول عقاب
فداؤك قوم أنت عال عليهم، ... شداد على بذل النّوال صعاب
إذا بادروا مجدا برزت، وبلّدوا، ... وإن طالعوا عزّا شهدت وغابوا (6)
وقاؤك من ذمّ العدى خلف نائل ... يدرّ، ولم تربط عليه عصاب (7)
وما كلّ من يعلو كقدرك قدره ... ولا كلّ سام في السّماء عقاب
وما الملك المنصور إلّا ضبارم، ... له منك ظفر في الزّمان وناب (1)
بعزمك يمضي عزمه في عدوّه، ... مضاء طرير أيّدته كعاب (2)
تلافيت أسراب الرّعيّة، بعد ما ... توقّد أضغان لها وضباب (3)
ولمّا طغى باد وأضرم ناره ... على الغدر، إنّ الغادرين ذئاب
بعثت له حتفا بغير طليعة، ... تخبّ به قبّ البطون عراب (4)
نزائع يعجمن الشّكيم، وقد جرى ... على كلّ فيفاء دم ولعاب (5)
خواطر بالأيدي لواعب بالخطى، ... وللطّعن في لبّاتهنّ لعاب (6)
ولا أرض إلّا وهي تحثو ترابها ... عليه، وترميه ربا وعقاب
فولّى وولّيت الجياد طلابه، ... وسالت مروج بالقنا وشعاب
تغامس في بحر الحديد، وخلفه ... لماء المنايا زخرة وعباب (7)
وقد كان أبدى توبة، لو قبلتها، ... ولو نفع الجاني عليك متاب
كأني بركب حابس هو منهم، ... أقاموا بأرض، والجذوع ركاب (8)
عواري إلّا من دم فتأت به ... معاصم من أسر الرّدى ورقاب (9)
يعرّب عنهم كلّ حيّ، كأنّهم ... جمال مطلّاة الجلود جراب (1)
ولله عار في بنانك متنه ... يشبّ، ومن لون المداد خضاب (2)
أمين على سرّ، وليس حفيظة ... وماض على قرن، وليس ذباب (3)
وما مسّه مجد، بلى إنّ راحة ... لها نسب في الماجدين قراب
وإنّي لأرجو منك حالا عظيمة، ... وأمرا أرجّي عنده وأهاب
لعلّ زماني ينثني لي بعطفة، ... وترضى ملمّات عليّ غضاب
وما أنا ممّن يجعل الشّعر سلّما ... إلى الأمر إن أغنى غناه خطاب
وليس مديح ما قدرت، فإن يكن ... مديح على رغمي، فليس ثواب
أبى لي عليّ والنّبيّ وفاطم ... جدودي أن يلوي بعرضي عاب (4)
فلا تغض عن يوم العدوّ وليله، ... وثمّ طلوع بالأذى وغياب
فقد يحمل الباغي على الموت نفسه ... إذا صفرت ممّا أراد وطاب (5)
وخذ ما صفا من كلّ دهر، فإنّما ... غضارته غنم لنا ونهاب
وعش طالعا في العزّ كلّ ثنيّة، ... عليك خيام للعلى وقباب













مصادر و المراجع :

١- ديوان الشريف الرضي

المؤلف: محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید