المنشورات

تخوّضنا البحار

(الوافر)
وضع الشريف هذه القصيدة في مدح أبيه، وفيها يهنئه بعيد الأضحى.
أرابك من مشيبي ما أرابا، ... وما هذا البياض عليّ عابا
لئن أبغضت منّي شيب رأسي، ... فإنّي مبغض منك الشّبابا
يذمّ البيض من جزع مشيبي، ... ودلّ البيض أوّل ما أشابا (1)
وكانت سكرة، فصحوت منها، ... وأنجب من أبى ذاك الشّرابا
يميل بي الهوى طربا، وأنأى ... ويجذبني الصّبا غزلا فآبى
ويمنعني العفاف كأنّ بيني ... وبين مآربي منه هضابا
نصلت عن الصّبا ومصاحبيه، ... وأبدلني الزّمان بهم صحابا
ولمّا جدّ جدّ البين فينا، ... وهبت له الظّعائن والقبابا (2)
وما روّعت من جزع جنانا ... ولا روّيت من دمع جنابا (3)
دعيني أطلب الدّنيا، فإنّي ... أرى المسعود من رزق الطّلابا
ومن أبقى لآجله حديثا، ... ومن عانى لعاجله اكتسابا
وما المغبون إلّا من دهته، ... ولا مجدا ولا جدة أصابا (4)
فلا والله أتركها خليّا ... ولمّا أجنب الأسد الغضابا (5)
وأركبها محصّنة شبوبا ... تمانع غير فارسها الرّكابا (6)
إذا نهنهتها أرنت جماحا ... إلى أملي، تجاذبني جذابا (7)
فإمّا أملأ الدّنيا علاء ... وإمّا أملأ الدّنيا مصابا
سجيّة من رعى الأيّام، حتى ... أشاب جماجما منها، وشابا
وهل تشوي حقائق ألمعيّ، ... إذا ما ظنّ أغرض أو أصابا (8)
ولم أر كالمآرب راميات ... بنا الدّنيا بعادا واقترابا
تخوّضنا البحار مزمجرات، ... وتسلكنا المضايق والعقابا (1)
وأعظم من عباب البحر حرص ... على الأرزاق أركبنا العبابا
وغلب كالقواضب من قريش ... يروون القواضب والكعابا (2)
فما ولد الأجابر من تميم ... نظيرهم، ولا الشّعر الرّقابا (3)
وإنّ المجد قد علمت معدّ، ... ودار العزّ والنّسب القرابا (4)
لأطولهم، إذا ركبوا، رماحا، ... وأعلاهم، إذا نزلوا، قبابا
وأغزرهم، إذا سئلوا، عطاء، ... وأوحاهم، إذا غضبوا، ضرابا (5)
بنو عمّ النّبيّ وأقربوه، ... وألصقهم به عرقا لبابا (6)
على بيد الحسين ذؤابتاها، ... وفرعاها اللّذا كثرا وطابا
وكانت لا تجار من الأعادي، ... فساند غربه ذاك النّصابا
وحصّنها، فليس ينال منها ... ذنوبا، من يهمّ، ولا ذنابا (7)
همام ما يزال بكلّ أرض ... يبرقع تربها الخيل العرابا
نزائع كالسّهام كسين نحضا ... خفيفا، لا اللّؤام ولا اللّغابا (8)
محبّسة على الأهوال تلقى ... بها العقبان رافعة الذنابى
يوقّرها، فتحسبها أسودا، ... ويطلقها، فتحسبها ذئابا (1)
وأعطته الرّؤوس مسوّمات ... تدقّ بها الجنادل والظّرابا (2)
إذا قطعت به شأوا بلاها ... بأبعد غاية وأمدّ قابا (3)
تجاوزه المقاول، وهو باق ... يبذّ رقاب غلبهم غلابا (4)
كنصل السّيف تسلم شفرتاه ... ويخلق كلّ أيّام قرابا
إذا اشتجر القنا فصل الهوادي ... وإن قرّ الوغى فصل الخطابا (5)
بلى وبلت يداه من الأعادي ... أراقم نزّعا وقنا صلابا (6)
فقوّم بالأذى منها صعادا، ... وذلّل بالرّقى منها صعابا
وغادر كلّ أرقم ذي طلوع ... على الأعداء يدرّع التّرابا
حذار بني الضّغائن من جريّ ... إذا ما الرّيب بادهه أرابا (7)
يعضّ على لواحظ أفعوان، ... فإن سيم الأذى طلب الوثابا
وإنّ وراء ذاك الحلم صولا ... وإنّ لتلكم البقيا عقابا
ولو أنّ الضّراغم نابذته، ... تولّج خلفها أجما وغابا
رماكم بالضّوامر مقربات ... يزاولن المحاني والشّعابا (1)
ويعجلن الصّريخ، وهنّ زور ... إلى الأعداء يرسلن اللّعابا (2)
فأرعى من جماجمكم جميما، ... وأمطر من دمائكم سحابا
لك الهمم التي عرف الأعادي ... تشبّ بكلّ مظلمة شهابا
إذا خفقت رياح العزم فيها ... تبلّج عارض منها، فصابا
ومشرعة الأسنّة ذات جرس ... يقود عقاب رايتها العقابا (3)
تخوض اللّيل يلمع جانباها، ... كأنّ الصّبح قد حدر النّقابا (4)
لها في فرجة الفجر اختلاط، ... يردّ الصّبح من رهج غيابا (5)
وتغدو كالكواكب لا معات ... تمزّق من عجاجتها الحجابا
يصافحها شعاع الشّمس حتى ... كأنّ على الظّبى ذهبا مذابا (6)
صدمت بها العدوّ، وأنت تدعو ... نزال، فأيّ داعية أجابا (7)
وقوّضت الخيام تذبّ عنها ... أسود وغى، وأصفرت الوطابا (8)
رأينا الطّايع الميمون بدءا ... يسلّك في النّوائب، واعتقابا
ولمّا جرّب البيض المواضي، ... رآك من الظّبى أمضى ذبابا (1)
فألحمك العدى، حتى تهاووا ... ولا دمنا تحسّ ولا ضبابا (2)
هناك قدوم أعياد طراق، ... تصوب العزّ ما وجدت مصابا (3)
وأيّام تجوز عليك بيض، ... وقد قرعت من الإقبال بابا
فكم يوم كيومك قدت فيه، ... على الغرر، المقانب والرّكابا (4)
إلى البلد الأمين مقوّمات ... يماطلها التّعجّل والإيابا
بحيث تفرّغ الكوم المطايا ... حقائبها، وتحتقب الثّوابا (5)
معالم إن أجال الطّرف فيها ... مصرّ القوم أقلع، أو أنابا
ففزت بها ثماني معلمات، ... نصرت بها النّبوّة والكتابا (6)
بعثت لك الثّناء على صنيع، ... إذا ما هبت دعوته أهابا (7)
رغائب قد قطعن حنين عيس، ... فلا نأيا أريغ، ولا اغترابا (8)
وقبل اليوم ما أغمدن عنّي، ... من الأيّام، نائبة ونابا














مصادر و المراجع :

١- ديوان الشريف الرضي

المؤلف: محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید