المنشورات

طالعتنا النوائب

(الطويل)
يرثي الشريف في هذه القصيدة أبا القاسم الشريف علي بن الحسين أبا تمام الزينبي نقيب العباسيين، وقد توفي في ذي القعدة سنة 384، وكان بينهما صداقة متينة.
من ايّ الثّنايا طالعتنا النّوائب، ... وأيّ حمى منّا رعته المصائب (5)
خطون إلينا الخيل والبيض والقنا، ... فما منعت عنّا القنا والقواضب
وضلّ بنا قصد الطّريق، كأنّما ... تؤمّ المنايا لا النّجاء الرّكائب
نروغ كما راغ الطّرائد دونها، ... وتجلبنا عودا إليها الجوالب
طوال رماح لا تقي، وعقائل ... من الجرد لا ينجو عليهنّ هارب (6)
فأين النّفوس الآبيات مليحة ... من الضّيم والأيدي الطّوال الغوالب (1)
وأين الطّعان الشّزر يثنى بمثله ... رقاب الأعادي دوننا والكتائب (2)
إذا لم يعنك الله يوما بنصرة، ... فأكبر أعوان عليك الأقارب
وإن هو لم يعصمك منه بجنّة، ... فقد أكثبت للضّاربين المضارب (3)
تناهى بنا الآجال عن كلّ مدّة، ... وما تنتهي بالطّالبين المطالب
نغرّ بإيعاد الرّدى، وهو صادق، ... ونطمع في وعد المنى، وهو كاذب
أفي كلّ يوم لي صديق مصادق ... يجيب المنايا، أو قريب مقارب
لعمري، لقد أبقى عليّ بيومه ... لواعج تمليها عليّ العواقب
رماه الرّدى عن قوسه، فأصابه، ... ولم يغننا أن درّعتنا التّجارب
هو الوالج العادي الّذي لا يروعه ... من الباب بوّاب عليه وحاجب
ولا ناصر، سيّان من هو حاضر، ... إذا ما دعا منّا، ومن هو غائب
نسير وللآجال فوق رؤوسنا ... تهزّم نوء بالمقادير صائب (4)
وما يعلم الإنسان في أيّ جانب ... من الأرض يأوي منه في التّرب جانب
مصاب رمى من هاشم في صميمها ... فأمست ذراها خشّعا والغوارب (5)
وأطلق من وجد حباها، ولم تكن ... لهاشم، لولاه، العقول العوازب (6)
وزالت له الأقدام عن مستقرّها، ... كما مال للبرك المطيّ اللّواغب (1)
أطال به الشّبّان لطم خدودهم ... وصكّ له غرّ الوجوه الأشايب
يعضّون منه بالأكفّ، وإنّما ... تعضّ بأطراف البنان العجائب
مضى أملس الأثواب لم يخز مادح ... بإطنابه فيه، ولم يزر عائب (2)
وخلّى فجاجا لا تسدّ بمثله ... وتلك صدوع أعوزتها الشّواعب (3)
لقد هزّ أحشاء البعيد مصابه، ... فكيف المداني والقريب المصاقب (4)
ولم أنسه غاد، وقد أحدقت به ... أدان تروّي نعشه وأقارب
يحسّون من أعواده ثقل وطئه، ... وما أثقل الأعناق إلّا المناقب
كأنّا عرضنا زاعبيّا مثقّفا ... على نعشه قد جرّبته المقانب (5)
تعلّقت من وجدي بفضل ردائه، ... وهل ذاك مغن، والمنايا الجواذب
وقارعني دهري عليه، فحازه، ... ألا إنّ أقران اللّيالي غوالب
وكنت به ألقى الحروب، وأتّقي، ... فجاء من الأقدار ما لا أحارب
تعاقد حاثو تربه أيّ نجدة ... تلاقت عليها بالتّراب الرّواجب (6)
كأنّهم أدلوا إلى القبر ضيغما، ... ينوء، وتثنيه الأكفّ الحواصب (7)
وأيّ حسام أغمدوا في ضريحه، ... كهمّك، لا يعصى به اليوم ضارب (8)
فآثاره محمرّة في عدوّه، ... ومنه وراء التّرب أبيض قاضب
وما كان إلّا برهة ثمّ أسفرت ... نزوعا عن الوجد الوجوه الشّواحب
وجفّت عيون الباكيات وأنسيت ... من الغد ما كانت تقول النّوادب
تسلّوا، ولولا اليأس ما كنت ساليا ... وقد يصبر العطشان والورد ناضب
ألسنا بني الأعمام دنيا، تمازجت ... بأخلاقهم أخلاقنا والضّرائب (1)
جميعا نمانا في ربى المجد هاشم، ... وأنجب عرقينا لؤيّ وغالب
إذا عمّموا بالمجد لاثت بهامنا ... عمائمهم، أعراقنا والمناسب (2)
نرى الشّمّ من آنافنا في وجوههم، ... وأعناقنا طالت بهنّ المناصب
وكم داخل ما بيننا بنميمة ... تقطّر لمّا زاحمته المصاعب (3)
سوى هبوات شابت الودّ بيننا، ... وأيّ وداد لم تشبه الشّوائب (4)
لنا الدّوحة العليا التي نزعت لها ... إلى المجد أغصان الجدود الأطايب
إذا كان في جوّ السّماء عروقها، ... فأين أعاليها، وأين الذّوائب
علونا إلى أثباجها ولغيرنا، ... عن المنكب العالي، إذا رام ناكب (5)
فما حمل الآباء منّا، وساقطت ... إلى الأرض منّا المنجبات النّجائب
سيوف على الأعداء تمضي نفوسها، ... ولم تتبدّلهنّ أيد ضوارب
فإن تر فينا صولة عجرفيّة، ... فقد عرفت فينا الجدود الأعارب (6)
فصبرا جميلا، إنّما هي نومة، ... وتلحقنا بالأوّلين النّوائب
وليس لمن لم يمنع الله مانع، ... ولا لقضاء الله في الأرض غالب
ولو ردّ ميتا وجد ذي الوجد بعده، ... لردّك وجدي، والدّموع السّوارب
سيعطي رجال ما منعت ويشتفي ... من الأقرباء الأبعدون الأجانب
لنا فيك عند الدّهر ثأر نزيعة، ... وإنّي لثارات المقادير طالب
أدرّت عليك السّاريات ورقرقت ... على ذلك القبر الرّياح الغرائب (1)
ولا زال عن ذاك الضّريح منوّر ... من الرّوض تفليه الصّبا والجنائب (2)
ولا، بل سقيناك الدّموع، وإنّنا ... لنأنف إن قلنا سقتك السّحائب














مصادر و المراجع :

١- ديوان الشريف الرضي

المؤلف: محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید