المنشورات

أسرة تنبت التيجان

(البسيط)
كتب إليه أبو إسحق إبراهيم بن هلال الصابي المذكور يمدحه، وأرسل مع القصيدة رقعة يعتذر فيها من تأخره عليه بسبب علته، ومطلع مدحيته:
أبا كل شيء قيل في وصفه حسن،
الى ذاك ينحو من كناك أبا الحسن
فأجابه عن هذه القصيدة على الروي عينه.
دع من دموعك بعد البين للدّمن، ... غدا لدارهم، واليوم للظّعن
هل وقفة بلوى خبت مؤلّفة ... بين الخليطين من شام ومن يمن (2)
عجنا على الرّكب أنضاء محزّمة، ... أثقالها الشّوق من باد ومكتمن (1)
موسومة بالهوى يدرى برؤيتها ... أنّ المطايا مطايا مضمري شجن
ثمّ انثنينا على يأس، وقد وجلت ... نواظر بمجاري دمعها الهتن
تروم ردّ نفوس بعد طيرتها ... على قوادم من وجد ومن حزن
تعريسة بين رملي عالج ضمنت ... بلّ الغليل لقلب الموجع الضّمن (2)
بتنا سجودا على الأكوار يحملنا ... لواغب قد لطمن الأرض بالثّفن (3)
أهفو إلى الرّيح إن هبّت يمانية، ... تحدو زعازعها عيرا من المزن (4)
أبى ضميري إلّا ذكره، وأبى ... تعرّض البرق إلّا أن يؤرّقني
شوق ألمّ، وما شوقي إلى أحد، ... سوى الذي نام عن ليلي وأيقظني
إن زاغ قلبي، فإنّ الهجر أحرجني، ... وإن صبرت، فإنّ اليأس صبّرني
وكم رمتني من الأقدار منبضة ... لم تثن باعي، ولم يحرج لها عطني (5)
ما كنت أعلم، والأيّام عالمة، ... أنّ اللّيالي تقاعيني لتنهشني (6)
قد أدمج الهمّ في عنقي حبائله، ... ولزّة الهمّ تنسي لزّة القرن (7)
إن يبل ثوبي، فإنّي أكتسي حسبي، ... أو تود خيلي، فإنّي أمتطي منني (8)
وأدخل البيت لم تأذن قعائده، ... على الحصان أمام القوم والحصن (9)
لا أطلب المال إلّا من مطالبه، ... ولا يفي لي بذل المال بالمنن
إنّ البخيل الذي قد بات يؤنسني، ... مثل الجواد الذي قد بات يمطلني
لقد تقدّم بي فضلي، بلا قدم ... أعظم بأمر على ذي السّنّ قدّمني
لا يبرح المجد مرفوعا دعائمه ... ما دام معتمدا منّا على ركن
من أسرة تنبت التّيجان هامهم، ... منابت النّبع في الأطواد والقنن (1)
المجد أنوط من كفّ إلى عضد ... فيهم، وأقوم من رأس على بدن (2)
من مبلغ لي أبا إسحق مألكة ... عن حنو قلب سليم السّرّ والعلن
جرى الوداد له منّي، وإن بعدت ... منّا العلائق، مجرى الماء في الغصن
لقد توامق قلبانا كأنّهما ... تراضعا بدم الأحشاء لا اللّبن (3)
مسوّد قصب الأقلام نال بها ... نيل المحمّر أطراف القنا اللّدن
إن لم تكن تورد الأرماح موردها، ... فما عدلت إلى الأقلام عن جبن
والطّاعن الطّعنة النّجلاء عن جلد، ... كالقائل القولة الغرّاء عن لسن
حار المجارون إذ جاروك في طلق، ... وأجفلوا عن طريق السّابق الأرن (4)
ضلّوا وراءك حتّى قال قائلهم: ... ماذا الضّلال، وذا يجري على السّنن
ما قدر فضلك ما أصبحت ترزقه، ... ليس الحظوظ على الأقدار والمهن
قد كنت قبلك من دهري على حنق، ... فزاد ما بك من غيظي على الزّمن
كم راشنا وبرانا، غير مكترث ... بما نعالج، بري القدح بالسّفن (5)
ألقى على آل وضّاح حويّته، ... وحكّ بركا على سيف بن ذي يزن (6)
عهدنا الدّرّ مسكنه أجاج، ... فكيف تبدّل الثّغب المعينا (1)
جنون المرشقات، غداة جمع، ... بأقتل من نبالك ما رمينا
ولم نر كالعيون ظبى سيوف ... أرقن دما، وما رمن الجفونا
عوائد من تذكّر آل ليلى، ... كأنّ لها على قلبي ديونا
أكاتمها، ففي الأحشاء منها ... مضيض بعدما بلغ الحنينا
فيا حادي السّنين قف المطايا، ... فهنّ على طريق الأربعينا
وإنّ الرّأس بعدك صوّحته ... بوارح شيبة، فغدا جبينا (2)
وكان سواده عيد الغواني، ... يعدن إلى مطالعه العيونا
أتاجرها، فأربح في التّصابي، ... وبعض القوم يحسبني غبينا
أهان الشّيب ما أعززن منه، ... وعزّ على العقائل أن يهونا
جنون شبيبة، ووقار شيب، ... خذا عنّي النّهى ودعا الجنونا
نرى الأيّام، وهي غدا سنون، ... وبالآحاد يبلغن المئينا
ستنبئنا النّوائب ما أرتنا ... من العجب العجيب بما ترينا
حلفت بملقيات النّيّ عوج، ... خوابط تطلب البلد الأمينا (3)
حوامل ناحلين على ذراها، ... حواني ينجذبن بمنحنينا
يسقّين الهجير على التّظامي، ... وينعلن الحرار، إذا وجينا (4)
كأنّ سياطها، ولها هباب، ... قلوع اليمّ زعزعت السّفينا
بكلّ معبّد القطرين ينضي ... مطال طريقه الأجد الأمينا (5)
لقد أرضى قوام الدّين فينا ... وصاة الله والدّين اليقينا
رعانا بالقنا، ولقد ترانا، ... وأضبع ما نكون إذا رعينا (1)
أعاد ثقافنا حتّى استقمنا، ... ودلّ بنوره اللّقم المبينا (2)
تيقّظ، والعيون مغمّضات، ... وقلقل، والرّعيّة وادعونا (3)
وما عدم العلى كهلا وطفلا، ... وفي خرق الوليد ولا جنينا
من القوم الألى تبعوا المعالي، ... قران العود يتّبع القرينا (4)
أقاموا عن فرائسها اللّيالي، ... وردّوا عن مواردها المنونا
هم رفعوا، كما رفعت نزار، ... قباب على على كرم بنينا
نبقّي سائرات الدّهر فيهم، ... ويبقون اليد البيضاء فينا
فإن نثمر لهم شكرا طويلا، ... فهم غرسوا، وكانوا المورقينا
فقل للمصحرين دعوا الضّواحي، ... فإنّ اللّيث قد نزع العرينا (5)
ولا تتغنّموا منه قعودا ... يقيم لكم به الحرب الزّبونا (6)
ففي أغماده ورق قديم، ... يزيد على قراع الصّيد لينا (7)
قواضب لا يغبّ بها الهوادي ... فيعطيها الصّياقل والقيونا (8)
أليس وقاعه بالأمس فيكم ... سقى غلل الرّماح، وما روينا (9)
بأربق قد أدار لكم رحاها، ... مدار الطّود مرداة طحونا (10)
ومثلها أنشب الأظفار في مضر، ... ومرّ يحرق بالأنياب لليمن (1)
إن يدن قوم إلى داري فآلفهم، ... وتنأ عنّي، فأنت الرّوح في البدن
فالمرء يسرح في الآفاق مضطربا، ... ونفسه أبدا تهفو إلى الوطن
والبعد عنك بلاني باستكانهم ... إنّ الغريب لمضطرّ إلى السّكن
أنت الكرى مؤنسا طرفي وبعضهم ... مثل القذى مانع عيني من الوسن
كم من قريب يرى أنّي كلفت به ... يمسي شجاي وتضحي دونه شجني
وصاحب طال ما ضرّت صحابته، ... عكفت منه على أطغى من الوثن
مستهدف لمرامي العيب جانبه، ... يكاد ينعطّ برداه من الظّنن (2)
ذي سوءة إن ثناها محفل كثرت ... لها المضارب فوق الصّدر بالذّقن
إذا احتميت به أحمي على كبدي ... كيف اجتناني إذا أسلمنني جنني (3)
لا تجعلنّ دليل المرء صورته، ... كم مخبر سمج عن منظر حسن
إنّ الصّحائف لا يقريك باطنها ... نفس الطّوابع موسوما على الطّين
أشتاقكم ودواعي الشّوق تنهضني ... إليكم، وعوادي الدّهر تقعدني
وأعرض الودّ أحيانا فيؤنسني، ... وأذكر البعد أطوارا فيوحشني
هذا، ودجلة ما بيني وبينكم، ... وجانب العبر غير الجانب الخشن (4)
ومشرف كسنام العود ملتبس، ... كالماء لزّ بأضلاع من السّفن (5)
كالخيل ربّطن دهما في مواقفها، ... والبزل قطّرن بين الحوض والعطن (6)
قد جاءت النّفثة الغرّاء ضامنة ... ما يوبق النّفس من عجب ومن درن (7)
أنبطت من حسنها ماء بلا نصب، ... وحزت من نظمها درّا بلا ثمن (8)
أنشدتها، فحدا سمعي غرائبها ... إلى الضّمير حداء الرّكب للبدن (1)
جازت إلى خاطري عفوا وخيّل لي، ... ممّا استبت أذني، أن لم تجز أذني
فاقتد إليك، أبا إسحق، قافية ... قود الجواد، بلا جلّ ولا رسن
كادت تقاعس لو ما كنت قائدها ... تقاعس البازل المجنوب في الشّطن (2)
تستوقف الرّكب إن مرّت معارضة ... تهدي عقيلتها العذراء من يمن














مصادر و المراجع :

١- ديوان الشريف الرضي

المؤلف: محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید