عرفنا أن الفعل المتعدي قد يتعدى -مباشرة- إلى مفعول به واحد2؛ نحو: عدل الحاكم يكفل السعادة للمحكومين، أو إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، نحو: رأيت الظلم أقرب طريق للخراب، أو ليس أصلهما المبتدأ والخبر؛ نحو: منعت النفس التسرع في الرأي، وقد ينصب ثلاثة؛ نحو علمني العقل: الاعتدال وافيًا من البلاء … ولا يتعدى الفعل لأكثر من ثلاثة.
أ- فإن كان الفعل متعديًا لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر جاز مراعاة هذا الأصل في ترتيبهما، فيتقدم المفعول به الذي أصله المبتدأ على المفعول به الذي أصله الخبر؛ - ففي مثل "الصبر أنفع في الشدائد … " يجوز: حسبت الصبر أنفع في الشديد، كما يجوز: حسبت أنفع في الشدائد الصبر، لكن مراعاة الأصل أحسن.
وقد تجب مراعاة الأصل في المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر3، كأن يؤدي عدم الترتيب إلى الوقوع في اللبس؛ ففي نحو: خالد محمود … "والمراد: خالد كمحمود" نقول: ظننت خالدًا محمودًا؛ فلو تقدم الثاني لاختلط الأمر والتبس؛ إذ لا يمكن تميز المشبه من المشبه به؛ لعدم وجود قرينة تساعد على هذا؛ فيكون التقديم بمراعاة الأصل هو القرينة.
وقد تجب مخالفة الأصل؛ فيتقدم المفعول الثاني في المواضع التي يجب فيها تقديم الخبر على المبتدأ4؛ كأن يكون في المفعول الأول ضمير يعود على الثاني؛ نحو: ظننت في البيت5 صاحبه فأحوال الترتيب بين المفعولين ثلاثة: حالة يجب فيها مراعاة الأصل بتقديم ما أصله المبتدأ وتأخير ما أصله الخبر، وحالة يجب فيها مخالفة هذا الأصل، وثالثة يجوز فيها الأمران، وقد تقدم هذا مفصلًا في موضعه الأنسب من باب: "ظن وأخواتها"1.
ب– إن لم يكن أصلهما المبتدأ والخبر، فالأحسن تقديم ما هو فاعل في المعنى على غيره؛ نحو: أعطيت الزائر وردة من الحديقة: "فالزائر" هو الآخذ، و"الوردة" هي المأخوذة؛ فهو في المعنى بمنزلة الفاعل؛ وهي بمنزلة المفعول به؛ وإن كانت هذه التسمية المعنوية لا يلتفت إليها في الإعراب.
ويجوز مخالفة الأصل؛ فيقال: أعطيت وردة من الحديقة الزائر، لكن الترتيب أحسن.
وقد يجب التزام الترتيب بتقديم الأول حتما وتأخير الثاني في مواضع، أشهرها ثلاثة:
1- خوف اللبس؛ نحو أعطيت محمودًا زميلًا في السفر، فلا يجوز تقديم الثاني؛ إذ لو تقدم لم يتبين الآخذ من المأخوذ، ولا قرينة تزيل هذا اللبس، ولا وسيلة لإزالته إلا بتقديم ما هو فاعل في المعنى على غيره؛ ليكون التقديم هو الدليل على أنه الفاعل المعنوي.
وفي هذه الصورة يجوز تقديم المفعول الثاني على المفعول الأول وعلى الفعل معًا؛ لعدم اللبس في هذه الحالة؛ نحو زميلًا في السفر أعطيت محمودًا.
2- أن يكون الثاني واقعًا عليه الحصر2؛ نحو: لا أكسو الأولاد إلا المناسب. فلو تقدم الثاني لفسد الحصر، ولزال الغرض منه.
ولا مانع من تقديمه مع "إلا" على المفعول الأول؛ إذ لا ضرر من هذا؛ لأن المحصور فيه هو الواقع بعد "إلا" مباشرة؛ نحو: لا أكسو إلا المناسب الأولاد.
3- أن يكون الأول ضميرًا متصلًا والثاني اسمًا ظاهرًا؛ نحو: منحتك الود، "لكن لا مانع من تقديم المفعول الثاني على الأول والفعل معًا، نحو الود منحتك".
وتجب مخالفة الترتيب في مسائل، أشهرها ثلاثة أيضًا:
1- أن يكون المفعول الأول "أي: الفاعل في المعنى" محصورًا نحو: ما أعطيت المكافأة إلا المستحق، ويجوز تقديمه مع "إلا " على المفعول الأول وحده، دون عامله.
2- أن يكون المفعول الأول –الذي هو فاعل معنوي– مشتملًا على ضمير يعود على المفعول الثاني؛ نحو: أسكنت البيت صاحبه، فإن كان الثاني هو المشتمل على ضمير يعود على الأول جاز الأمران، نحو: أسكنت محمدًا بيته، أو: أسكنت بيته محمدًا.
3- أن يكون المفعول الثاني ضميرًا متصلًا، والأول "أي: الفاعل المعنوي" اسمًا ظاهرًا؛ نحو: القلم أعطيته كاتبًا …
فأحوال الترتيب ثلاث ي هذا القسم "ب"؛ هي: وجوب التزامه في ثلاثة مواضع، ووجوب مخالفته في ثلاثة أخرى، وجواز الأمرين في غير المواضع السالفة1.
جـ- إن كان الفعل متعديًا لثلاثة، فالأول منها كان فاعلًا، وقد صيرته همزة النقل مفعولًا به2، فالأصل الذي يراعى فهي أن يقدم على المفعول الثاني والثالث، وأصلهما الأرجح مبتدأ وخبر؛ فيراعى في الترتيب بينهما ما يراعى بين المبتدأ والخبر؛ طبقًا للبيان الذي سبق 3 "عند الكلام على حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير"
مصادر و المراجع:
1-المفتاح في الصرف المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن
محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
2- أبنية الأسماء والأفعال والمصادر المؤلف: ابن القَطَّاع الصقلي
(المتوفى ٥١٥ هـ)
3-المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن
يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)
4- الخلاصة في النحو، ألفية ابن مالك المؤلف: أبو عبد الله محمد بن
عبد الله بن مالك الأندلسي (ت ٦٧٢ هـ)
5-ارتشاف الضرب من لسان العرب المؤلف: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي
بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ)
6- النحو الوافي المؤلف: عباس حسن (ت ١٣٩٨هـ)
7-الجمل في النحو المؤلف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن
تميم الفراهيدي البصري (ت ١٧٠هـ)
8-الكتاب المؤلف: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر،
الملقب سيبويه (ت ١٨٠هـ) 9- المقتضب المؤلف: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى
الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد (ت ٢٨٥هـ)
10-الأصول في النحو المؤلف: أبو بكر محمد بن السري بن سهل النحوي
المعروف بابن السراج (ت ٣١٦هـ)
11-شرح كتاب سيبويه المؤلف: أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله بن
المرزبان (ت ٣٦٨ هـ) 12-الإيضاح العضدي المؤلف: أبو علي الفارسيّ (٢٨٨ - ٣٧٧ هـ)
13-علل النحو المؤلف: محمد بن عبد الله بن العباس، أبو الحسن، ابن
الوراق (ت ٣٨١هـ)
14-شرح أبيات سيبويه المؤلف: يوسف بن أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن
المرزبان أبو محمد السيرافي (ت ٣٨٥هـ)
15-اللمع في العربية المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)
16-الخصائص المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)
17-المفصل في صنعة الإعراب المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد،
الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ)
18- المرتجل (في شرح الجمل) المؤلف: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد
بن أحمد ابن الخشاب (٤٩٢ - ٥٦٧ هـ)
19- نتائج الفكر في النَّحو للسُّهَيلي المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن
بن عبد الله بن أحمد السهيلي (ت ٥٨١هـ)
20-البديع في علم العربية المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن
محمد بن محمد بن محمد ابن عبد
21- المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن
يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)
22- شرح المفصل للزمخشري المؤلف: يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا
محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش وبابن
الصانع (ت ٦٤٣هـ)
23-الكناش في فني النحو والصرف المؤلف: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل
بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (ت
٧٣٢ هـ)
24-شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك المؤلف: بدر الدين محمد ابن
الإمام جمال الدين محمد بن مالك (ت ٦٨٦ هـ)
25-الشافية في علم التصريف (ومعها الوافية نظم الشافية للنيساري -
المتوفى في القرن ١٢)
تعليقات (0)