المنشورات

أغنية بجرية!

واشتد الحر يوما بدرجة مفزعة فهرع الناس إلى البحر زرافات ووحدانا شيبا وشبابا رجالا ونساء ولفت نظري من بين هذه الجموع المتراصة والمتدافعة إلأى الأمواج كالأمواج منظر اسراب الأطفال الصغار وهم يتواثبون على رمال الشاطئ بثيابهم المزركشة كالعصافير الملونة فاستولى على نفسي هذا المنظر الساحر والمشهد الرائع ولم أشعر إلا بكلمات هذه الأغنية تجري على لساني وتنساب من بين شفتي:

يا بحر يا رمز الجمال الساحر … ومهبط الوحي لقلب الشاعر
ومطمح الأنظار والمشاعر … ومفزع الناس لدى الهواجر
تفديك أرواح إليك تهفو
إن أقبل الصيف وهاج الحر! … ومسنا من الحرور ضر!
وعيل من لفح الهجير الصير! … فليس نطفي ناره يا بحر!
إلا بماء فيك لا يجف
هذى الوجوه الغضة اللطاف … طاب لها من حولك المطاف
لها إلى جمالك انعطاف … وما لها عن حبك انحراف
لم يرضها غير هواك إلف
تغشاك أسراب من الولدان … نضوا ثيابهم عن الأبدان
ونشطوا للعلوم كالحيتان … فظهروا حولك كالأغصان
بروضة جميلة تحف
لك محيا رائع جليل! … ومنظر محبب جميل.
فيك نسيم بارد عليل … يطيب فيك الصبح والأصيل
وفيك لطف في الدجى وظرف
إنا لزمنا العوم فيك دوما … وأي نفس لا تحب العوما
لا نستطيع الصبر عنك يوما … ولا نلذ راحة أو نوما!
إذا لم نجد خلا سواك يصفو
وكنت يوما راكبا "الترام"، الذي يمر على شاطئ البحر وكان معي صديقي السيد العمري الذي أعجبه منظر البحر فقال لي: "ألا ترى البحر كيف يبتسم اليوم؟ وكنا قد تلقينا اذ ذاك خبر موت مرشد الكشافة الاسلامية الجزائرية السيد "محمد بوردس" الذي أعدمته السلطة الفرنسية في صباح ذلك اليوم فقلت على الفور:
البحر أبدى ابتساما … لنا وزاد ابتهاجا!
ولو درى البحر شيئا … مما درينا لهاجا!
ويذكرني هذا اليوم بيوم آخر أشد وقعا على النفس وهو أول يوم من الربيع أشرقت شمسه على الجزائر والسجون والمعتقلات ملأى بالوطنيين ومن مراكز التعذيب يسمع أناين المعذبين وفي كل بيت ثكل وفي كل عين دمع وفي كل قلب ألم واذا بي أقول هذا البيت كأنني أقرؤه في صحيفة:
أتضحك يا ربيع بملء فيكا … ولم أر مقلة لم تبك فيكا؟












مصادر و المراجع :

١- ديوان الشيخ أحمد سحنون

المؤلف: أحمد سحنون

الناشر: منشورات الحبر (الجزائر)

الطبعة: الطبعة الثانية، 2007

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید