المنشورات

وطني!

يا أرض أحلامي، وسماء إلهامي.
يا مهد صباي، ومعهد هواي.
يا مسرح أفكاري، ودنيا أشعاري.
يا ملتقى رغباتي، ومستودع ذكرياتي.
يا مرقد أجدادي، وموطن أمجادي.
فوق خصب أرضك، وتحت سحر أفقك، نشأت وتربيت، وبطيب هوائك وعذوبة مائك انتشيت وتغذيت وفي حدائقك الزاهية وشواطئك الحالية نظمت قصائدي ومقطوعاتي ومن صخور جبالك الشاهقة ورمال صحاراك الواسعة، صغت أناشيدي وأغنياتي.
ومن صباياك الفاتنات وعذاراك الساحرات تعلمت الغزل ومن أجلك وحدك يا وطني كان لي في الحياة أمل كل شيء فيك -يا وطني- يسحرني ويغريني
بالحياة سماؤك الصافية، وشواطئك الحالية، ورياضك الزاهية، وطيورك الشادية.
وذلك الطفل النشيط ينتبه في الصباح الباكر مذعورا كالظبي أو كما انتفض
العصفور بلله القطر، فيغسل أطرافه ويبدل ثيابه ويصفف شعره، ثم يطبع
على فم أمه قبلة ويتناول محفظته وينطلق إلى المدرسة ليثقف عقله ويسر
أهله ويخدم أمته.
وتلك البنت المطيعة المهذبة التي تخطر في البيت كما تخطر الفراشة في الروض غادية رائحة في مساعدة أمها حتى إذا فرغت من شأنها في البيت أصلحت من شأن نفسها، فرجلت شعرها وقسمته ضفيرتين وأرسلت به على الكتفين، ثم تناولت سلتها وأخذ تسمتها إلى السوق في تصون وخفر، لتعود بها مملوءة خضرا وفاكهة.
وذلك العامل الكادح الذي يهب من نومه لعمل يومه، فيعول أهله ويعلم طفله ويعد منه للوطن مواطنا صالحا وجنديا باسلا.
سماؤك -يا وطني- أصفى سماء، وشمسك أسطع شمس، وبحرك أجمل بحر، وجبالك أمنع الجبال، وصحاراك أجل الصحارى وتربتك أخصب تربة، وثمارك أشهى الثمار، وأبناؤك أبر الأبناء فأنت خير الأوطان.
إن عملي لك، ودفاعي عنك، وتحريري كل شبر من أرضك، وموتي من أجلك، ونومي في ثراك، هي كل ما يجول في رأسي من أفكار، ويختلج في قلبي من آمال، ويتردد على لساني من نجوى يتمثل في حركاتي من أعمال.
لقد زاحمني فيك -يا وطني- حليف جشع، وأسير طمع، لم ينبت في أرضك، ولم ينحدر من صلبك، ولم يجر في عروقه دم أبطالك، إنما رمى به حب الاستعمار، من وراء البحار، ليصبح شجى في الخلق وقذى في العين، وكابوسا على الصدر، فدافعته بالحسنى فلم ينفع، وقاومته بالمنطق فلم ينجح، فامتشقت السلاح، وصممت على الكفاح وأعلنت الثورة.
فلم يحترم ثورتي ولم يعترف بحريتي، وقابل النار بالنار، وواجه الحديد بالحديد، فلم تزدد الثورة إلا ضراما، ولم تزدد الخصومة إلا عراما، ولم يكن خصمي شريفا، فأقصاني عنك وحرمني منك وجعل حرماني من قربك عقابا لي على حبك.
ولكن كن واثقا يا وطني بأنني سأطهر أرضك من أقدام هذا الطفيلي الوقح، وسأعود إليك وفي يدي نسيج رايتك، وعلى لساني نشيد حريتك.
فانعم بالا، وقر عينا، ولا تكترث بأعدائك، فأنا جنديك الباسل، وابنك البار،
وخادمك الأمين ...













مصادر و المراجع :

١- ديوان الشيخ أحمد سحنون

المؤلف: أحمد سحنون

الناشر: منشورات الحبر (الجزائر)

الطبعة: الطبعة الثانية، 2007

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید