المنشورات

الحرية!

حبيبتي حمراء الخدين بلون الدم الفاني ذات شعر أسود لامع مجدول، كسلاسل من حديد مصقول، لها عينان نجلاوان ترميان بالشرر، كعيارين ملتهبين حين ينطلقان إلى الهدف!
صوتها ذو رنين قوي مثير شجي تنخلع له القلوب، وتطيش له الأحلام كصليل السلاح عند تحريكه لتنفيذ حكم الإعدام.
حبيبتي نشوى بمجد الجمال، والهيمنة على قلوب الرجال.
حبيبتي شرود متمردة، تياهة متكبرة، لا تسلس لي قيادها إلا بعد أن تجرعني
عنادها، ولا تجود لي بوصالها إلا بعد أن تعذبني بدلالها، ولا تقنع مني إلا ببذل الروح في سبيلها.
وحتى بذل الروح أبت أن ترضى به سهلا يسيرا، بل لا تقبله إلا على طريق
محفوف بالأخطار، مزروع بالأشواك، متخلل بالعقبات مملوء بما يمض القلب ويضني الجسم ويسهر الجفن.
من أجل ذلك تحملت مفارقة الوطن، وتجرعت مرارة الغربة، وزج بي في السجن، وطوح بي إلى المنفى، وألقي بي في خضم من المتاعب والمكاره، لألفظ روحي على التدريج وأهبها في مهل وبطء، وفي ضيق وعسر، لحبيبتي الغالية المدللة "الحرية".
الحرية التي أحبها كل ذي شعور، وكل ذي طموح! يتطلع إلى المجد، ويتوق إلى الكمال.
ولكنها لم تحب إلا الذين وهبوها أرواحهم، ومنحوها حياتهم ففازوا برضاها،
وظفروا بقربها، أو أصابهم سهم الردى الذي تصدوا له راضين مطمئنين، فماتوا شهداء حبها مبتسمين مبتهجين.
إنها الحرية: معشوقة العظماء، ومعبودة الشعراء.
على أن حبيبتي، رغم شرودها وعنادها، ودلالها كبريائها، لا تبرح سريري، ولا
تغادر غرفتي، إنها تأوي إلى مضجعي كل ليلة، إنها في متناول يدي، إنها رهن إشارتي، وطوع إرادتي، فهي إذن قريبة بعيدة، وليس في الأمر غرابة.
إنها قريبة ممن له إرادة تسيطر على هواه، وتقتل في نفسه جراثيم الخوف مما يعترض سبيله إليها من مكاره الحياة.
وهي بعيدة ممن استعبدته نفسه فأخلد إلى الأرض واتبع هواه.
وهل أضاع من أضاع حريته إلا بعد أن أضاع إرادته؟
حبيبتي: "إنني طوع إرادتك فكوني طوع إرادتي"!














مصادر و المراجع :

١- ديوان الشيخ أحمد سحنون

المؤلف: أحمد سحنون

الناشر: منشورات الحبر (الجزائر)

الطبعة: الطبعة الثانية، 2007

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید