المنشورات

السعادة!

لكل إنسان أمل، وأمل كل إنسان أن يحيا سعيدا، وسعادة كل إنسان في حصوله على ما يعوزه ويحتاج إليه، وتطيب حياته من أجله.
فإن كان ضيق العيش، فارغ اليد، فسعادته في الحصول على مال يقيم أوده، ويسد عوزه، ويصون ماء وجهه، وإن كان سيء الصحة مختل المزاج، فسعادته في عودة صحته، واعتدال مزاجه، وإن كان جديب المنزل من ابتسام الطفولة ومرح الأطفال فسعادته في أن تشرق جنبات بيته بولي عهده، ووارث اسمه، وإن كان يعيش في بلد مستعبد فسعادته في أن يرى وطنه حرا، وأبناءه أعزة.
وإن كان رهن السجن أو المعتقل، فسعادته في إطلاق سراحه وعودته إلى بلاده واجتماع شمله بأهله وأبنائه، وإن كان ممن أصابه الحب بسهمه، فسعادته في قربه من حبيبه ينتشي برياه، وتكتحل عينه بمرآه، ويعب من رحيق الحب ما يطفئ غلته، ولكن قد تجتمع للإنسان كل هذه الألوان من السعادة وهو أظمأ ما يكون إلى السعادة، ذلك لأن السعادة شعاع لا ينبعث إلا من داخل النفس، وما هذه الألوان التي يطلبها الناس خارج النفس، ويرون فيها سعادتهم غير وسائل قد تتخلف عن الوصول بهم إلى السعادة أما السعادة الحقة التي يحس كل إنسان حلاوتها ولذاتها فهي في راحة البال التي تعقب أداء الواجب لسعادة المجموع فكم من أناس ظفروا بكل ألوان السعادة من صحة ومال وولد واجتماع شمل، ولكنهم لا يفتأون يحسون فراغا في نفوسهم وخواء في قلولهم، وشفاء في حياتهم، ذلك لأن لهم بالا يعذبهم وضميرا يؤنبهم، لأنهم جلبوا الشقاء لغيرهم، إما بالإساءة إليهم، وإما بعدم سعيهم فيما يجلب السعادة لهم، فتخلوا بذلك عن أداء واجبهم في ميدان النفع العام، فباتوا يرون أنفسهم كائنات منحطة أقل شأنا من ذباب يلد العسل، ودود يلد الحرير، وأزاهير تنفح بالعبير، لأن كلا من هذه الكائنات الضعيفة كانت قوية بمساهمتها في النفع العام، فما أتفه الإنسان إذا لم ينفع به أبناء جنسه، ولم يعش إلا لنفسه، السعادة الحقة -إذن- أن تحس أن القلوب من حولك تخفق بحبك، لأنك كففت عن الناس أذاك، واحتملت منهم أذاهم، وبذلت لهم نفسك ومالك، فبت قرير العين، هادئ النفس، ناعم البال، تهتصر أفنان السعادة وترتشف رحيقها، وتشعر بأنك إنسان كامل، ومخلوق ممتاز، جدير بمكانه في الوجود، بين عظماء الرجال ...














مصادر و المراجع :

١- ديوان الشيخ أحمد سحنون

المؤلف: أحمد سحنون

الناشر: منشورات الحبر (الجزائر)

الطبعة: الطبعة الثانية، 2007

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید