المنشورات

وقفة على بحر الجزائر

(1) نشرت في الجزء التاسع من الشهاب عام 1930م
•---------------------------------•
وقفت على بحر الجزائر ليلة …*… وناجيته لو كان يسمعني البحر
فقلت له: يا بحرمالك هائجا …*… على البر مغتاظا ولم يذنب البر
وما لك لا تألوه دفعا وضجة …*… وصفعا بأيدي الموج رق له الصخر
لعلك مغتاظ عليه لأنه …*… كثير الرضا في النائبات له صبر
تقول: لماذا يمكث البر حاملا …*… عليه هنات لا ينهنهها زجر
تروح عليه الشائنات وتغتدى …*… تباعا ولا نهي عليه ولا أمر
وتفشو من العاثين في جنباته …*… أمور لها وجه الشريعة يحمر
ويذهب سعي الناس فيه مذاهبا …*… لكل ابن أنثى منهم فوقه أمر
كسرب من الأغنام أخطأت الحمى …*… فضلت سواء القصد والجو مغبر
ويأتون أفعالا عليه ذميمة …*… مخالفة، في فعلها يعظم الوزر
كتجرهم بالغش والكذب والربا …*… وما كان مسموحا بها لهم التجر
وزرعهم للتبغ وهو لهم أذى …*… وعصرهم للكرم وهو لهم خمر
فيوسعهم في كل ذلك بسطة …*… وتشملهم منه الكرامة والبر
وأعجب من هذا وذلك أنه …*… لأحيائهم مهد وأمواتهم قبر
رويدك قد أنديت يا بحر وجهه …*… بتقريعه فارفق به ولك الشكر
كأني (برأس المول) (1) جاءك باسطا …*… له العذر لو يفضى إلى سمعك العذر
يناديك كن يا بحر بالبر مشفقا …*… رحيما لعل البر بالخلق مغتر
عساه رأى خيرا لهم فأقلهم …*… لذاك، وأي الخير فارقه الشر
فقد صح أن الخير ما زال جاريا …*… على أرضه منهم ولو أنه نزر
وقامت عليه اليوم للعلم دعوة …*… تطوف بها للنشر طائفة غر
تسير على القرآن فهو لها هدى …*… وتعتز بالإيمان فهو لها ذخر
على أن هذا البر ما كان ساكنا …*… لما فيه من نكر وإن عمه النكر
فكم ثار بركان وخرت بناية وأطبق زلزال به وطغى نهر
نداء احتجاج منه للخلق بالغ …*… يعاد على الاستماع لكن بها وقر
ومنذر سوء بالحقيقة صادع …*… ينادى على الإنسان قد غلب الخسر
حوادث تستدعى من الفكر لفتة …*… إليها فيستعصى لدعوتها الفكر
ويخبط في بحر من الوهم تائها …*… يغوص، وبحر الوهم ليس له قعر
فيمكث بين البؤس واليأس حائرا …*… كمستعصم بالسحر قد خانه السحر
ومستنكر نطق الجمادات قال لي …*… رويت حديثا لم يعد مثله الدهر
يخالف إجماع الورى ولعله …*… إليك من العقل الخيالي منجر
فما حركات البر ألا تصادم …*… بماء ونار منهما البرد والحر
وما حركات البحر ألا تماوج …*… على سطحه يقضى به المد والجزر
فصدقته فيها وقلت له اخترق …*… ظواهرها بالرأي يظهر لك السر
وأرع لسان الحال سمعك منصتا …*… فإن لسان الحال يعوزه الجهر
هناك ترى ما لم تكن قبل رائيا …*… وتسمع ما للعقل في ذكره ذكر
بواهر آيات من الغيب فصلت …*… على الكون لم يجمع حقائقها سفر
مجددة بالكون في كل لحظة …*… فماذا عسى تحصى اليراعة والحبر
تعاصى على الأفواه نشر عظاتها …*… على أمم الدنيا فمنها لها النشر
برئت من الإيغال في العد راجعا …*… إلى الله مشدوها يحيط بي الذعر
ألا إن هذا الكون أصدق شاهد …*… بأن كمال الله ليس له حصر














مصادر و المراجع :

١- ديوان محمد العيد آل خليفة

المؤلف: محمد العيد بن محمد علي خليفة (المتوفى: 1399هـ)

الناشر: دار الهدى، عين مليلة - الجزائر

عام النشر: 2010

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید