المنشورات

زلزلة الأصنام

نشرت بجريدة البصائر عدد 288 سنة 1954م.
•---------------------------------•
ويح الجزائر ما دهاها مالها …*… تدعو دراك وتستغيث رجالها
ويح الجزائر أصبحت مكروبة …*… ولهى تئن فمن يكون ثمالها
مفجوعة ثكلت فتاة برة …*… حسناء شوهت المنون جمالها
تذري على الأصنام صيب دمعها …*… وتردد الزفرات مما نالها
أسفي على الأصنام رجت دورها …*… تحت الظلام وزلزلت زلزالها
مارجها الزلزال حتى ردها …*… بعد الأناقة دمنة وأحالها
تجتاح أرواح الشقاء ديارها …*… وتجوس أشباح الفناء خلالها
تقف الوفود بها صوامت تجتلى …*… آثارها وترى بها أطلالها
تسدى العزاء إلى بقايا أهلها …*… بعد المصاب وتشكر استبسالها
وتناول الجرحى وسائل برئها …*… عطفا وتجزل للجياع نوالها
بدع أصاب من الزلزال أرضها …*… فأزاح بهجة عيشها وأزالها
ودهى جميع قلاعها ورباعها …*… وضياعها ودهى البلاد حيالها
أخلى أواهلها وخلى حولها …*… سبعين ألفا تطلب المأوى لها
تتجاذب الخبراء حبل حديثه …*… وعلى حقيقته تطيل جدالها
هل كان بعض صواعق جوية …*… الله قدر وحده إنزالها
أم كان هزة تربة نارية …*… طغت المياه فسببت إشعالها
أم كان بعض تجارب ذرية …*… بعض المخابر دبراستعمالها
لم نكتشف سببا له متيقنا …*… إلا افتراضات نحوك خيالها
ما في خرائبه لشاهدها سوى …*… عبر تفك عن العقول عقالها
فترى الديار على الديار أكبها …*… وترى الجبال على الجبال أمالها
خرت مطأطئة الرؤوس فبددت …*… حول السفوح صخورها ورمالها
فكأنها سفن ببحر هائج …*… صخب تميل يمينها وشمالها
ولرب دار هزها من أسها …*… وأدارها مثل الرحى واجالها
ولرب دار زجها في هوة …*… فمحا مبانيها وأقبر آلها
وترى أعاصير الرياح أثارها …*… حربا تسدد للكبود نبالها
وترى الكواكب في سواد قاتم …*… مثل الثكالى استشعرت اسمالها
وترى أخاديد الشقوق رهيبة …*… في العمق توغل في الثرى ايغالها
فكأنها أحناء أودية بدت …*… لكن بنيران البخار أسالها
وترى بها القتلى هنا وهناك قد …*… طمس التراب على الثرى أشكالها
بينا قضوا في النوم زلفة ليلهم …*… في دورهم متفيئين ظلالها
إذ طاف بالبلوى عليهم طائف …*… خسف الديار وعجل استئصالها
عجبا لها من رجة أرضية …*… ما شاهد الجيل الحديث مثالها
دوت دوي الرعد ثم تدكدكت …*… بالآهلين وأخرجت اثقالها
وتتابعت رجاتها وتكررت …*… أنكالها فتجرعوا أنكالها
أردت قبيلة (راشد) وتذيلت …*… فاشهد (تنس) تجدبها أذيالها
وبواديى (شلف) ألم و (فضة) …*… تبصر إلى (مجانة) استرسالها
أودت بأعلاق التلاد وأزهقت …*… مهج العباد ومزقت أوصالها
وجرت حوادث قبلها لم تجر من …*… قبل الزلازل ضاعفت أهوالها
عوت الكلاب وخارت الأبقار في …*… هلع كأن قد ألهمت اقبالها
ولعل فيها عبرة لذوي النهى …*… وهدي يقي النفس اللجوج ضلالها
فالنفس لم تترك غرائز خبثها …*… والآدمية لم تدع صلصالها
وبنو الجزائر في سفاسف عيشهم …*… خلف اللذائذ ينشدون وصالها
ترجو الجزائر أن تناضل حرة …*… عن حقها فيعرقلون نضالها
وتحولت حكامها ظلامها …*… وتبدلت انصارها خذالها
فلذاك أنذرنا الإله برجة …*… في كل يوم نسمع استفحالها
كم كرمة ألوت بها وحديقة …*… عصفت بها ومن استغل غلالها
وسراية قد زينت بأسرة …*… تؤوي عرائس لا تحد دلالها
خسفت بها فتقوضت وتعوضت …*… من يمنها شؤما يقبح فالها
لم تبق ربات الحجال بها كما …*… لم تبق إلا في الحضيض حجالها
كم أسرة في عزها وجلالها …*… نشأت أضاعت عزها وجلالها
امست مشردة تهيم فقيرة …*… تبكي سعادتها وتندب مالها
كم مرضع صاد الحمام وحيدها …*… كالنسر صاد حمامة فاغتالها
فتحرقت حزنا عليه وأعولت …*… ترجو إغاثة من يعي اعوالها
وخريدة في الآنسات فريدة …*… نزل البلاء بها فحير بالها
صرخت من الانقاض تسأل نجدة …*… عجلى فلبى المنقذون سؤالها
خفوا اليها كالوعول تسابقت …*… نحو المكانس كي تجير غزالها
واستنقذوها من مخالب موتها …*… والخوف يوشك أن يثير خبالها
فنجت وصحت بالعلاج وأصبحت …*… برعاية الاسعاف تحمد حالها
إن الجزائر بالجميل مدينة …*… لمن افتدى الأسر الضياع وعالها
شكرا لمن أولى الضحايا منة …*… ترضى ومد يدا لها فأطالها
شكر الكل مكفن أمواتها …*… شكر الكل مكفل أطفالها
شكرا لمن آوى اليتامى واعتنى …*… بحياتها فاسترجعت آمالها
شكر المن أسدى إلى الجرحى يدا …*… بالمسعفات فأدركت ابلالها
شكرا لمصر وللعراق وسوريا …*… ولمن أسا أجراحنا ورثى لها
من كل جامعة سخت بإغاثة …*… وحكومة أبدت لنا أفضالها
أما الفئات المهملات فقل لها …*… أن الجزائر سجلت إهمالها
من قام بالحسنات فليك مكملا …*… إن الشرائع تبتغي إكمالها
والله ارحم راحم سبحانه …*… وسع الخلائق رحمة وأنالها
حد الحدود لها ولكن أجرمت …*… وتجرأت فاذاقها اعمالها
غفرانك اللهم إنا أمة …*… رزحى يحملها الهوى أحمالها
ناءت بها أغلالها فتقاعست …*… عن واجباتك فاكفها أغلالها
أشهدتنا قبل القيامة صورة …*… منها تنزيل عن النهى أسدالها
وترى نفوس الجاحدين حقيقة …*… هزئت بها وتعمدت إغفالها
إن القيامة بالوبال نذيرة …*… عفوا فانا لا نطيق وبالها
لم نتخذ ذخرا لفصل قضائها …*… إلا شفاعة من يقول أنا لها
فارفق بأمة مصطفاك محمد …*… واجعل إلى كنف السلام مآلها













مصادر و المراجع :

١- ديوان محمد العيد آل خليفة

المؤلف: محمد العيد بن محمد علي خليفة (المتوفى: 1399هـ)

الناشر: دار الهدى، عين مليلة - الجزائر

عام النشر: 2010

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید