المنشورات

في أذن الشرق

هذه القصيدة كلها نداء جهير للعلم، وتثويب للجزائر بأن تجد في السير حتى تلحق بالناهضين به، وكلها حفز للهمم الخامدة أن تتحرك، وللنفوس الراكدة أن تنطلق وللأيدي الجامدة أن تتبارى في البذل، وفيها تصوير بديع لحالة إفريقيا والشرق، ونعي عليهما في القعود عن مجاراة السابقين.
وبالجملة، فهي مجموعة زواجر لإفريقيا والشرق كله تصلح أن تكون دستورا عمليا للإفريقيين والشرقيين، وهي كمطولات محمد العيد تفاجئ القارئ بسلسلة من المفاجآت العميقة الأثر وأن قارئها ليذهل عندما يسمعها فيجد الشاعر ملما فيها بكل ما يعتلج في النفوس، ويختج في الضمائر من أنواع الداء وأشكال الدواء. وأن في هذه الطريقة التي يسوقها شاعرنا- خصوصا في هذه القصيدة- لروعة لا تدري أهي روعة جلال أو روعة جمال. ثم تفيء إلى نفسك فتجدهما معا.
وأنشدت في إحدى حفلات الشعب التي كانت تقيمها مدرسة الشبيبة الإسلامية في كل سنة عند نهاية الموسم الدراسي.
ونشرت في العدد الأول من جريدة البصائر سنة 1935 وبالجزء (11) مجلد (11) من (الشهاب) 1936 وفيها إهداء من الشاعر إلى الأستاذ الشيخ الطيب العقبي رحمه الله.
(محمد البشر الإبراهيمي) رحمه الله
•---------------------------------•
أحدقت بالشبيبة الاعضاد …*… وفشا الذكر حولها والضاد
صافح الغر يوم حفلتها الغـ …*… ـر وصافى به الجياد الجياد
كل عام لنا به حفلات …*… زاهرات كأنها أعياد
تسحر الأنفس الأناقة والرو …*… عة فيها والذكر والانشاد
يا وجوها مثل الأهلة لاحت …*… لا خبا منك نورك الوقاد
مرحبا شرفي القلوب وحلي …*… ما لدينا غير القلوب مهاد
نحن قوم لنا قلوب على الصد …*… ق رواس كأنها أطواد
ما رسمنا خطا إلى المجد إلا …*… وعليها أساسنا والعماد
فبها لانت الصعاب العواتي …*… وبها هانت الخطوب الشداد
وبها دب في الجزائر إبلا …*… ل وإن لم يثق به العواد
وبها أمست (الشبيبة) كالأ …*… م يغذى بدرها الأولاد
وغدا مسرح (الأبيرا) لنا سو …*… ق عكاظ تؤمه الوراد
نتواصى بالحق والصبر فيه …*… والتواصي تضامن وجهاد
ربما تنجلي الشدائد عنا …*… بالتواصي وتنقضي الأنكاد
ومن الشرق أمة غلب الصمت …*… عليها فعم فيها الفساد
ساد فيها الهوى ولو لم تفرط …*… في التواصي لساد فيها السداد
إن في العصر آية لبني الشر …*… ق ولكنهم عن الذكر حادوا
أعلن الصور بالقيامة في الأر …*… ض وقامت من القبور العباد
وفشا العلم في السموات والأر …*… ض وردت دويه الأبعاد
أيها الصارخ المهيب بنا لبـ …*… ـاك في الكائنات حتى الجماد
هتف البرق باسمك الخالد السـ …*… ـامي وحياك بالغناء (الراد)
وغزا (الغاز) تحت بندك وانطـ …*… ـاد إلى أوج خلدك المنطاد
واشترى الناهضون منك وباعوا …*… وغدوا رابحين فيك وعادوا
وعنا الناس لاسمهم وأطاعوا …*… وأشادوا بذكرهم ما أشادو
وقعدنا مع الخوالف نخزى …*… بضروب من الأذى ونكاد
إن أفكارنا تحاك الغشاوا …*… ت عليها وتضرب الأسداد
فمن البغي فوقنامر هفات …*… ومن الوهم حولنا أصفاد
ومن الخلف دوننا عقبات …*… ينفد الجهد عندها والزاد
قد وقعنا يا علم في هوة الجهـ …*… ـل ولما يتح لنا الإنجاد
وانقطعنا يا علم عنك وعن كـ …*… ـل تراث أبقت لنا الأجداد
حرت في عزونا إلى العرب لولا …*… فكر خصبة ولسن حداد
ونفوس لنا تهيب إلى المجـ …*… ـد بنا ما لها سواه مراد
إن للعرب في الحضارة قدما …*… قدما للورى عليها استناد
كم وعوا في الحجاز من قبل روما …*… وأثينا من حكمة وأفادوا
وعت الأرض كل ما عاد من عا …*… د عليها وشاده شداد
وأضعنا الأثار فامحت الطر …*… ق وضلت من بينها الرواد؟
أيها المشرقون في ظلم التاريـ …*… ـخ هل عصركم علينا يعاد؟
ذابت الأنفس اشتياقا لمرآ …*… كم وحنت إليكم الأكباد
كل ما شدتم على الأرض من مجـ …*… ـد تليد أضاعه الأحفاد
شغف القوم بالمطامع حبا …*… واستهانت بالأمة الأفراد
وتفشى في الخلف خلف فذلوا …*… لسواهم حتى فنوا أو كادوا
كل ذي إمرة على الأرض (سابو …*… ر) (1) وكل الشعوب فيها (إياد)
ويح (إفريقيا) تفرق فيها …*… مسلموها فكلهم أضداد
وتدلت بهم إلى الهون حينا …*… فتدلوا بها ومادت فمادوا
إغنموا من منافع الأرض واغزوا …*… يا بنيها فإنكم أجناد
وأصيبي من السيادة حظا …*… يا بلادا سادت عليها البلاد
يا بلادا يخزى الكرام عليها …*… ويعز الأسافل الأوغاد
يا بلادا يطوى الجميل وينسى الـ …*… ـعهد فيها ويخلف الميعاد
يا بلادا لا يثبت الرأي في شـ …*… ـيء عليها ولا يدوم الوداد
يا بلادا يلقى النبوغ بها الشؤ …*… م ويسعى في قتله الحساد
يا بلادا ما للزعامة فيها …*… قوة أو لزاعميها اتحاد
النيابات كلها نائبات …*… والقيادات كلها أقياد
أرغم المرشدون فيك على الصمـ …*… ـت وبثت عليهم الأرصاد
وأجيزوا من قومهم بظنون …*… سيئات يبثها المراد
كم يلاقي من العقوبات حر …*… ذنبه الوعظ فين والإرشاد
لا تسومي آسادك الغلب ضيما …*… فمن الضيم تأنف الأساد
ليس إلا من اختلات المزايا …*… والسجيات تنشأ الأحقاد
أبت البومة الهزار رفيقا …*… وجفته لأنه غراد
إن في الموت والحياة مدى أو …*… سع فيه تفاوت الأنداد
يدرك المرشد الممات فيبلى …*… وتغني بذكره الأباد
إكتفي في البرور مني يا أر …*… ض بشعر به يجيش الفؤاد
ذي معان أبيها مستجيب …*… وقواف عصيها منقاد
كل جهدي عليك قول مقفى …*… كل مالي يراعة ومداد
أنا مهما بكاك مني (امرؤ القـ …*… ـس) وحيا حماك مني زياد
لست أجدى عليك يا أرض ما يجد …*… ي عليك النجار والحداد
غير حي على البسيطة شعب …*… ليس فيه صناعة واقتصاد
أيها الشعب قدم الكسب ذخرا …*… ليس كالكسب للشعوب عتاد
شاع فيك الإهمال والجهل والغفـ …*… ـلة والفقر والضنى والكساد
فإذا قمت بالفلاحة أثرى …*… في الألى أعدموا الألى فيك سادوا
وإذا قمت بالتجارة أزرى …*… بالألى أسلموا الألى فيك هادوا
وتفشى الربا بسوقك حتى …*… ليس عنه للكاسبين حياد.
كم ممد به ليحمي أرضا …*… لم تدم أرضه ولا الإمداد
أثقلت ظهره الديون فبيعت …*… أرضه معلنا عليها المزاد
أيها الشعب فيم توسع قهرا …*… ليت شعري لأي أمر تقاد؟
ليت شعري متى تمد لك الأيـ …*… ـدي وتغرى بحبك الأكباد؟
ليت شعري متى تصير عتيدا …*… ولأهليك بالنفوس اعتداد؟
إن خير البلاد في وسع أهليـ …*… ـها إذا أبدؤوا بها وأعادوا
ومن العلم للمواطن تاج …*… ماجد يحتفي به الأمجاد
أيها الشعب خذ من العلم حظا …*… لم يشبه زيغ ولا إلحاد!
واجعل الدين للبنين دليلا …*… يسهل الطبع منهم والقياد
وإذا اشتد حادث فتحمل …*… وتجمل فما يدوم اشتداد
يخلد الله ذو الجلال ويبقى …*… وسوى الله منتهاه النفاد














مصادر و المراجع :

١- ديوان محمد العيد آل خليفة

المؤلف: محمد العيد بن محمد علي خليفة (المتوفى: 1399هـ)

الناشر: دار الهدى، عين مليلة - الجزائر

عام النشر: 2010

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید