المنشورات

الأدب ينمي العقول

وللعقولِ سجياتٌ وغرائزُ بها تقبل الأدب، وبالأدبِ تنمى العقولُ وتزكو.
فكما أن الحبة المدفونة في الأرضِ لا تقدر أن تخلعَ يبسها وتظهر قوتها وتطلع فوق الأرضِ بزهرتها وريعها ونضرتها ونمائها إلا بمعونةِ الماء الذي يغورُ إليها في مستودعها فيذهب عنها أذى اليبس والموت ويحدث لها بإذن الله القوة والحياة، فكذلك سليقةُ العقلِ مكنونةٌ في مغرزها من القلبِ: لا قوة لها ولا حياة بها ولا منفعة عندها حتى يعتملها الأدبُ الذي هو ثمارها وحياتها ولقاحها.
وجل الأدب بالمنطق وجل المنطقِ بالتعلمِ. ليس منه حرف من حروف متعجمه، ولا اسم من أنواع أسمائها إلا وهو مروي، متعلمٌ، مأخوذٌ عن إمام سابقٍ، من كلامٍ أو كتابٍ.
وذلك دليلٌ على أنّ الناس لم يبتدعوا أصولها ولم يأتهم علمها إلا من قبلِ العليمِ الحكيمِ.
فإذا خرجَ الناسُ من أن يكونَ لهم عملٌ أصيلٌ وأن يقولوا قولاً بديعاً فليعلمِ الواصفونَ المخبئون أن أحدهم، وإن أحسن وأبلغ، ليس زائداً على أن يكون كصاحب فصوص وجد ياقوتاً وزبر حداً ومرجاناً، فنظمه قلائد وسموطاً وأكاليل، ووضع كل فص موضعهُ، وجمعَ إلى كل لونٍ شبهه وما يزيدهُ بذلك حسناً، فسمي بذلك صانعاً رفيقاً، وكصاغة الذهب والفضة، صنعوا منها ما يعجبُ الناس من الحلي والآنية، وكالنحل وجدت ثمراتٍ أخرجها الله طيبةً، وسلكت سبلاً جعلها الله ذللاً، فصار ذلك شفاءً وطعاماً، وشراباً منسوباً إليها، مذكوراً به أمرها وصنعتها.
فمن جرى على لسانه كلامٌ يستحسنهُ أو يستحسنُ منهُ، فلا يعجبن إعجاب المخترع المبتدعِ، فإنه إنما اجتناهُ كما وصفنا.












مصادر و المراجع :

١- الأدب الكبير والأدب الصغير

المؤلف: عبد الله بن المقفع (المتوفى: 142 هـ)

الناشر: دار صادر - بيروت

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید