المنشورات

الاقتداء بالصالحين

ومن أخذ كلاماً حسناً إن غيره فتكلم به في موضعه وعلى وجهه، فلا ترين عليه في ذلك ضؤولة. فإن من أعين على حفظِ كلامٍ المصيبين، وهدي للإقتداء بالصالحين، ووفق للأخذِ عنِ الحكماء، ولا عليهِ أن لا يزداد، فقد بلغ الغاية، وليس بناقصهِ في رأيه ولا غامطهِ من حقه أن لا يكون هو استحدث ذلك وسبق إليه. فإنما إحياء العقل الذي يتم به وستحكم خصالٌ سبعٌ: الإيثارُ بالمحبةِ، والمبالغة في الطلب، والتثبتُ في الاختيارِ، والاعتيادُ للخيرِ، وحسنُ الرعي، والتعهد لما اختير واعتقد، ووضع ذلك موضعهُ قولاً وعملاً.
أما المحبة فإنها تبلغ المرء مبلغَ الفضلِ في كل شيء من أمرِ الدنيا والآخرة حين يؤثر بمحبته. فلا يكون شيءٌ أمرأ ولا أحلى عنده منه.
وأما الطلبُ، فإن الناس لا يغنيهم حبهم ما يحبون وهو أهم ما يهوون عن طلبه وابتغائه. ولا تدركُ لهم بغيتهم ونفاستها في أنفسهم، دون الجد والعمل.
وأما التثبتُ والتخيرُ، فإن الطلبَ لا ينفعُ إلا معهُ وبه. فكم من طالب رشدٍ وجدهُ والغي معاً، فاصطفى منهُما الذي منهُ هربَ، وألغى الذي إليه سعى، فإذا كان الطالبُ يحوي غير ما يريدُ، وهو لا يشك في الظفرِ، فما أحقهُ بشدةِ التبيينِ وحسنِ الابتغاء! وأما اعتقادُ الشيء بعد استبانته، فهو ما يطلبُ من إحراز الفضل بعد معرفته.
وأما الحفظُ والتعهد، فهو تمام الدركِ. لأن الإنسان موكل به النسيانُ والغفلةُ: فلا بد لهُ، إذا اجتبى صواب قولٍ أو فعلٍ من أن يحفظهُ عليه ذهنهُ لأوان حاجته.
وأما البصرُ بالموضعِ، فإنما تصيرُ المنافعُ كلها إلى وضعِ الأشياء مواضعها، وبنا إلى هذا كله حاجةٌ شديدةٌ. فإنا لم نوضع في الدنيا موضعَ غنى وخفضِ ولكن بموضعِ فاقةٍ وكدٍ، ولسنا إلى ما يمسكُ أرماقنا من المأكل والمشرب بأحوج منا إلى ما يشبتُ عقولنا من الأدبِ الذي به تفاوتُ العقول. وليس غذاءُ الطعامِ بأسرعَ في نباتِ الجسدِ من غداء الأبدٍ في نباتِ العقلِ. ولسنا بالكد في طلبِ المتاعِ الذي يلتمسُ بهِ دفعُ الضررِ والغلبةُ بأحق منا بالكد في طلبِ العلمِ الذي يلتمسُ بهِ صلاحُ الدينِ والدنيا.










مصادر و المراجع :

١- الأدب الكبير والأدب الصغير

المؤلف: عبد الله بن المقفع (المتوفى: 142 هـ)

الناشر: دار صادر - بيروت

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید