المنشورات

الطاعة للملوك

لا تكونن صُحبتكَ للمُلوكِ إلا بعد رياضةٍ منك لنفسكَ على طاعتهم في المكروهِ عندكَ، وموافقتهم فيما خالفكَ، وتقديرِ الأمورِ على أهوائهم دون هواكَ، وعلى ألا تكتمهم سرك ولاتستطلع ما كتموكَ، وتُخفي ما أطلعوكَ عليهِ على الناسِ كلهم حتى تحمي نفسك الحديثَ بهِ، وعلى الاجتهادِ في رضاهم، والتلطفِ لحاجتهم، والتثبيتِ لحُجتهم، والتصديقِ لمقالتهم، والتزيين لرأيهم، وعلى قلةِ الاستقباحِ لما فعلوا إذا أساؤوا، وتركِ الانتحالِ لما فعلوا إذا احسنوا، وكثرةِ النشرِ لمحاسنهم، وحسنِ الستر لمساوئهم، والمقاربةِ لمن قاربوا وإن كانوا بعداءَ، والمباعدةَ لمن باعدوا وإن كانوا أقرباءَ، والاهتمام بأمرهم وإن لم يهتموا بهِ، والحفظ لُهم وإن ضيعوهُ، والذكر لهم وإن نسوهُ، والتخفيفِ عنهم من مؤونتكَ، والاحتمال لهم كل مؤونةٍ، والرضى منهم بالعفوِ، وقلةِ الرضى من نفسكَ لهم إلا بالاجتهادِ.
وإن وجدت عنهم وعن صحبتهم غنى، فأغن عن ذلكَ نفسكَ واعتزلهُ جهدكَ فإنهُ من يأخذ عملهم بحقهِ، يحل بينهُ و بينَ لذةِ الدنيا وعملِ الآخرةِ. ومن لا يأخُذ بحقهِ، يحتملِ الفضيحةَ في الدنيا والوزر في الآخرةِ.
إنكَ لا تأمنُ أنفةُ الملوكِ إن أعلمتهم، ولا تأمنُ عقوبتهم إن كتمتهم، ولا تأمنُ غضبتهم إن صدقتهم، ولا تأمن سلوتهم إن حدثتهم. وإنك إن لزمتهم لم تأمن تبرمهم بكَ، وإن زايلتهم لم تأمن عقابهم، وإن تستأمرهم حملتَ المؤونةَ عليهمِ، وإن قطعتَ الأمرَ دونهم لم تأمن فيهِ مخالفتهم. إنهم إن سخطوا عليكَ أهلكوك. وإن رضوا عنكَ تكلفتَ من رضاهم ما لا تُطيقُ.
فإن كنتَ حافظاً إن بلوكَ، جلداً إن قربوك، أميناً إن ائتمنوكَ: تعلمهم وأنت تريهم أنك تتعلم منهم، وتؤدبهم وكأنهم يؤدبونكَ: تشكرهم ولا تكلفهمُ الشكر، بصيراً بأهوائهم مؤثراً لمنافعهم، ذليلاً إن ظلموكَ، راضياً إن أسخطوكَ، وإلا فالبعدَ منهم كل البعدِ، والحذر منهم كل الحذرِِ.
تحرز من سكر السلطانِ وسكر المالِ وسكرِ العلمِ وسكرِ المنزلةِ وسكر الشبابِ، فإنهُ ليسَ من هذا شيءٌ إلا وهو ريحُ جنةٍ تسلبُ العقلَ وتذهبُ بالوقارِ وتصرفُ القلبَ والسمعَ والبصرَ واللسان إلى غير المنافعِ.
















مصادر و المراجع :

١- الأدب الكبير والأدب الصغير

المؤلف: عبد الله بن المقفع (المتوفى: 142 هـ)

الناشر: دار صادر - بيروت

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید