المنشورات

كيف تعامل عدوك

ليكن مما تنظرُ فيه من أمرِ عدوكَ وحاسدكَ أن تعلمَ أنهُ لا ينفعكَ أن تخبر عدوكَ وحاسدكَ أنكَ لهُ عدو، فتنذرهُ بنفسك وتؤذنهُ بحربكَ قبل الإعداد والفرصةِ، فتحملهُ على التسلحِ لكَ، وتوقد نارهُ عليكَ.
واعلم أنه أعظمُ لخطركَ أن يرى عدوكَ أنكَ لا تتخذهُ عدواً فإن ذلك غرةٌ لهُ وسبيلٌ لكَ إلى القدرةِ عليهِ. فإن أنتَ قدرتَ واستطعتَ اغتفارِ العداوةِ عن أي تكافئ بها فهنالكَ استكملتَ عظيم الخطرِ.
إن كنتَ مكافئاً بالعداوةِ والضررِ فإياكَ أن تكافئ عداوةَ السر بعداوةِ العلانية، وعداوةَ الخاصةِ بعداوةِ العامةِ، فإن ذلك هو الظلمُ.
واعلم مع ذلك أنهُ ليس له العداوةِ والضررِ يكافأ بمثلهِ: كالخيانةِ لا تكافأ بالخيانةِ، والسرقة لا تكافأ بالسرقةِ.
ومن الحيلة في أمركَ مع عدوك أن تصادقَ أصدقاءهُ وتُؤاخي إخوانهُ، فتدخُل بينهُ وبينهم في سبيلِ الشقاقِ والتلاحي والتجافي حتى ينتهي ذلك بهم إلى القطيعةِ والعداوةِ لهُ ليس رجلٌ ذو طرقٍ يمتنعُ من مؤاخاتكَ إذا التمستَ ذلك منهُ. وإن كان إخوانُ عدوكَ غير ذوي طرقٍ فلا عدو لكَ.
لا تدع، مع السكوتِ عن شتمِ عدوكَ، إحصاءَ مثالبهِ ومعايبهِ وابتاعَ عوراتهِ، حتى لا يشذ عنكَ من ذلك صغيرٌ ولا كبيرٌ، من غيرِ أن تشيعَ ذلك لعيه فيتقيكَ بهِ، وستعد لهُ، أو تذكرهُ في غيرِ موضعهِ فتكونَ كمستعرضِ الهواء بنبلهِ قبل إمكانِ الرمي.
ولا تتخذن اللعنَ والشتمَ على عدوكَ سلاحاً، فإنهُ لا يجرحُ في نفسٍ ولا منزلةٍ ولا مالٍ ولا دينٍ.
إن أردتَ أن تكون داهياً فلا تُحبنَ أن تسمى داهياً. فإنهُ من عرفَ بالدهاء خاتل علانيةً، وحذرهُ الناسُ، حتى يمتنعَ منهُ الضعيفُ، ويتعرض له القوي.
وإن من إربِ الأريبِ دفنَ إربهِ ما استطاعَ حتى يُعرفَ بالمسامحةِ في الخليقةِ والاستقامةِ في الطريقةِ.
ومن إربهِ ألايؤاربَ العاقلَ المستقيم الطريقةِ والذي يطلعُ على غامضِ إربهِ فيمقتُهُ عليهِ.
وإن أردت السلامةَ فاشعر قلبكَ الهيبةَ للأمورِ، من غيرِ أن تظهرَ منكَ الهيبةُ فتُفطنَ الناسَ بنفسكَ وتُجرئهُم عليكَ وتدعو إليك منهم كل الذي تهابُ.
فاشعب لمداراةٍ ذلك من كتمانِ الهيبةِ وإظهارِ الجرأةِ والتهاونِ طائفةً من رأيكَ.
وإن ابتليتَ بمحاربةِ عدوكَ فحالف هذه الطريقةَ التي وصفتُ لكَ من استشعارِ الهيبةِ وإظهارِ الجرأةِ والتهاونِ، وعليكَ بالحذرِ والجد في أمركَ، والجرأةِ في قلبَ، حتى تملأ قلبكَ جراءةً ويستفرغ عملكَ الحذر.
اعلم أن من عدوكَ من يعملُ في هلاككَ، ومنهم من يعملُ في مصالحتكَ، ومنهم من يعملُ في البعدِ منكَ.
فاعرف على منازلهم.
ومن أقوى القوةِ لكَ على عدوكَ، وأعز أنصاركَ في الغلبةِ لهُ، أن تحصي على نفسكَ العُيوبَ والعوراتِ كما تُحصيها على عدوكَ، وتنظُر عند كل عيبٍ تراهُ أو تسمعهُ لأحدٍ من الناسِ: هل قارفتَ ذلكَ العيبَ أ و ما شاكلهُ أو سلمتَ منهُ.
فإن كنتَ قارفتَ شيئاً منهُ جعلتهُ مما تحصي على نفسكَ. حتى إذا أحصيتَ ذلكَ كلهُ فكاثر عدوكَ بإصلاحِ نفسكَ وعثراتك وتحصينِ عوراتكَ وإحراز مقاتلكَ.
وخذ نفسكَ بذلكَ ممسياً ومصبحاً.
فإذا آنستَ منها دفعاً وتهاوناً بهِ فاعدد نفسكَ عاجزاً ضائعاً خائباً، معوراً لعدوكَ ممكناً لهُ من رميكَ.
وإن حصلَ من عيوبكَ وعوراتكَ ما لا تقدرُ على إصلاحهِ من ذنبٍ مضى لكَ، أو أمرٍ يعيبكَ عند الناسِ ولا تراهُ أنتَ عيباً، فاحفظ ذلك وما عسى أن يقولَ فيه قائلٌ من حسبكَ أو مثالبِ آبائكَ أو عيبِ إخوانكَ ثم اجعل ذلكَ كلهُ نصبَ عينك واعلم أن عدوكَ مريدكَ بذلك. فلا تفعل عن التهيؤ لهُ والإعدادِ لقوتكَ وحُجتكَ وحيلتكَ فيهِ سراً وعلانية.
فأما الباطلُ لا تروعن بهِ قلبكَ ولا تستعدن لهُ ولا تشتغلنّ بشيءٍ من أمرهِ، فإنهُ لا يهولكَ ما لم يقع، وما إن وقع اضمحلَ.















مصادر و المراجع :

١- الأدب الكبير والأدب الصغير

المؤلف: عبد الله بن المقفع (المتوفى: 142 هـ)

الناشر: دار صادر - بيروت

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید