المنشورات

حاذر الغرام بالنساء

اعلم أن من أوقعِ الأمورِ في الدينِ وأنهكها للجسدِ وأتلفها للمالِ وأقتلها للعقلِ وأزراها للمروءةِ وأسرعها في ذهابِ الجلالةِ والوقارِ الغرامِ بالنساء.
ومن البلاء على المغرمِ بهن أنهُ لا ينفكّ يأجمُ ما عندهُ وتطمحُ عيناهُ إلى ما ليسَ عندهُ منهن.
إنما النساء أشباهٌ.
وما يتزينُ في العيونِ والقلوبِ من فضلِ مجهولاتهن على معروفاتهن باطلٌ وخدعةٌ. بل كثيرٌ مما يرغبِ عنهُ الراغبُ مما عندهُ أفضلُ مما تتوقُ إليهِ نفسهُ منهن.
وإنما المرتغبُ عما في رحلهِ منهن إلى ما في رحالٍ الناسِ كالمرتغبِ عن طعامِ بيتهِ إلى ما في بيوتٍ الناسِ: بل النساءُ بالنساء أشبهُ من الطعامِ بالطعامِ، وما في رحالٍ الناسِ من الأطعمةِ أشد تفاضلاً وتفاوتاً مما في رحالهم من النساء.
ومن العجبِ أن الرجلُ الذي لا بأس بليةٍ ورأيهِ يرى المرأةَ من بعيدٍ متلفقةً في ثيابها، فيصور لها في قلبهِ الحسن والجمالَ حتى تعلقَ بها نفسهُ من غير رؤيةٍ ولا خبرِ مخبر، ثم لعلهُ يهجمُ منها على أقبحِ القبحِ وأدم الدمامةِ، فلا يعظهُ ذلكَ ولا يقطعهُ عن أمثالها. ولا يزالُ مشغوفاً بما لم يذق، حتى لو لم يبقَ في الأرضِ غيرُ امرأةٍ واحدةٍ، لظن أن لها شأناً غير شأنِ ما ذاقَ. وهذا هو الحمقُ والشقاء والسفهُ.
ومن لم يحمِ نفسهُ ويظلفها ويحلئها عن الطعامِ والشرابِ والنساء في بعض ساعاتِ شهوتهِ وقدرتهِ، كانَ أيسرَ ما يُصيبهُ من وبالِ ذلكَ انقطاعُ تلكَ اللذاتِ عنهُ بخمودٍ نارِ شهوتهِ وضعفِ حواملِ جسدهِ. قل من تجدهُ إلا مخادعاً لنفسهِ في أمرِ جسدهِ عند الطعامِ والشرابِ والحمية والدواء، وفي أمرِ مروءتهِ عندَ الأهواء والشهواتِ، وفي أمرٍ دينهِ عندَ الريبةِ والشبهةِ والطمعِ.














مصادر و المراجع :

١- الأدب الكبير والأدب الصغير

المؤلف: عبد الله بن المقفع (المتوفى: 142 هـ)

الناشر: دار صادر - بيروت

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید