المنشورات

كن متواضعاً واحذر المراءاة

إن استطعتَ أن تضع نفسكَ دونَ غايتكَ في كل مجلسٍ ومقامٍ ومقالٍ ورأيٍ وفعلٍ فافعل، فإن رفع الناس إياكَ فوقَ المنزلةِ التي تحط إليها نفسك، وتقريبهم إياكَ إلى المجلسِ الذي تباعدتَ منهُ، وتعظيمهم من أمركَ ما لم تُعظم، وتزيينهم من كلامكَ ورأيكَ وفعلكَ ما لم تُزين هو الجمالُ.
لا يُعجبكَ العالمُ ما لم يكن عالماً بمواضعِ ما يعلمُ، ولا العاملُ إذا جعلَ موضعَ ما يعملُ. وإن غلبتَ على الكلامِ وقتاً فلا تغلبن على السكوتِ، فإنهُ لعلهُ يكونُ أشدهما لكَ زينةً، وأجلبهما إليكَ للمودةِ، وأبقاهُما للمهابةِ، وأنفاهما للحسدِ.
احذرِ المراءَ وأغربهُ، ولا يمنعنكَ حذرُ المراء من حسنِ المناظرةِ والمُجادلةِ.
واعلم أن المماري هو الذي لا يريدُ أن يتعلمَ ولا أن يتعلمَ منهُ. فإن زعمَ زاعمٌ أنهُ مُجادلٌ في الباطلِ عن الحق، فإن المجادل، وإن كانَ ثابتَ الحُجةِ ظاهرِ البينةِ حاضر الذهنِ، فإنهُ يُخاصمُ إلى غير قاضٍ، وإنما قاضيهِ الذي لا يعدلُ بالخصومةِ إلا إليه عدلُ صاحبهِ وعقلهُ. فإن آنس أو رجا عندَ صاحبهِ عدلاً يقضي بهِ على نفسهِ فقد أصابَ وجه أمرهِ. وإن تكلم على غيرِ ذلك كان ممارياً.
وإن استطعتَ ألا تخبر أخاكَ عن ذاتِ نفسك بشيءٍ إلا وأنتَ مُحتجن عنهُ بعضَ ذلك التماساً لفضلِ الفعلِ على القولِ واستعداداً لتقصيرِ فعلٍ، إن قصرَ، فافعل.
واعلم أن فضلَ الفعلِ على القولِ زينةٌ، وفضل القولِ على الفعلِ هُجنةٌ، وأن إحكامَ هذه الخلةِ من غرائبِ الخلال.















مصادر و المراجع :

١- الأدب الكبير والأدب الصغير

المؤلف: عبد الله بن المقفع (المتوفى: 142 هـ)

الناشر: دار صادر - بيروت

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید