المنشورات
كيف تجالس الناس
لا تُجالسِ امرأ بغيرِ طريقتهِ، فإنكَ إن أردتَ لقاءَ الجاهلِ بالعلمِ، والجافي بالفقهِ، والعيي بالبيانِ لم تزد على أن تضيعَ علمكَ وتؤذي جليسكَ بحملكَ عليهِ ثقل مالا يعرفُ وغمكَ إياهُ بمثلِ ما يغتم بهِ الرجلُ الفصيحُ من مخاطبةِ الأعجمي الذي لا يفقهُ عنهُ.
واعلم أنه ليس من علمٍ تذكرهُ عند غيرِ أهلهِ إلا عابوه، ونصبوا لهُ ونقضوهُ عليكَ، وحرصوا على أن يجعلوهُ جهلاً، حتى إنّ كثيراً من اللهو واللعبِ الذي هو أخفُ الأشياء على الناسِ ليحضرهُ من لا يعرفهُ فيثقُلُ عليهِ ويغتم به.
وليعلم صاحبكَ أنكَ تشفقُ عليهِ وعلى أصحابهِ، وإياكَ إن عاشركَ امرؤ أو رافقكَ أن لا يرى منكَ بأحدٍ من أصحابهِ وإخوانهِ وأخدانهِ رأفةً، فإنّ ذلكَ يأخذُ من القلوبِ مأخذاً. وإن لطفكَ بصاحبِ صاحبكَ أحسنُ عندهُ موقعاً من لطفكَ بهِ في نفسهِ.
واتقِ الفرحَ عندَ المحزونِ، واعلم أنهُ يحقدُ على المنطلقِ ويشكرُ للمكتئبِ.
اعلم أنكَ ستسمع من جلسائك الرأي والحديثَ تنكرهُ وتستجفيهِ وتستشنعُهُ بهِ عن نفسهِ أو غيرهِ، فلا يكونن منكَ التكذيبُ ولا التسخيفُ لشيءٍ مما يأتي به جليسك. ولا يجرئنكَ على ذلكَ أن تقولَ: إنما حدثَ عن غيرهِ، فإن كل مردودٍ عليهِ سيمتعضُ من الرد. وإن كانَ في القومِ من تكرهُ أن يستقر في قلبهِ ذلك القولُ، لخطأ تخافُ أن يعقدَ عليه، أو مضرةٍ تخشاها على أحدٍ فإنكَ قادرٌ على أن تنقضَ ذلك في سترٍ، يكونَ ذلك أيسرَ للنقضِ وأبعدَ للبعضةِ.
ثم اعلم أن البغضةَ خوفٌ، وأن المودةَ أمنٌ، فاستكثر من المودةِ صامتاً، فإنّ الصمت سيد عوها إليكَ. إذا ناطقتَ فناطق بالحسنى، فإن المنطق الحسنَ يزيدُ في ود الصديق ويستل سخيمةَ الوغرِ.
واعلم أن خفضَ الصوتِ وسكون الريحِ ومشي القصدِ من دواعي المودةِ، إذا لم يخالط ذلك بأو ولا عجبٌ. أما العجبُ فهو من دواعي المقتِ والشنآن.
مصادر و المراجع :
١- الأدب الكبير والأدب
الصغير
المؤلف: عبد الله
بن المقفع (المتوفى: 142 هـ)
الناشر: دار صادر
- بيروت
المصدر: الشاملة
الذهبية
28 يونيو 2024
تعليقات (0)