المنشورات

ولقد كنت عليكم عاتباً [الرمل]

أصَحَوْتَ اليَومَ أم شاقَتْكَ هِرّ ... ومِنَ الحُبّ جُنونٌ مُسْتَعِرْ (1)
لا يَكُنْ حُبَّكِ داءً قاتِلاً ... لَيسَ هذا منكِ، ماوِيَّ، بِحُرّ (2)
كيفَ أرجو حُبَّها، منْ بَعدِ ما ... عَلِقَ القَلْبُ بِنُصْبٍ مسْتَسِرّ (3)
أرّق العَينَ خَيَالٌ لمْ يَقِرّ ... طافَ، والرّكْبُ بصَحْراءَ يُسُرْ (4)
جازَتِ البِيدَ إلَى أرحُلِنا ... آخِرَ اللّيْلِ، بيَعْفُورٍ خَدِرْ (5)
ثمّ زارَتني، وصَحْبي هُجَّعٌ ... في خَلِيطٍ، بَيْنَ بُردٍ ونَمِرْ (6)
تَخْلِسُ الطَّرْفَ بعَيْنَيْ بَرغَزٍ ... وبخدَّي رشأٍ آدَمَ غِرّ (7)
ولها كَشحَا مَهاةٍ مُطفلٍ ... تَقْتَري، بالرّمْلِ، أفْنانَ الزّهَرْ (1)
وعلى المَتْنَينِ مِنها واردٌ ... حَسَنُ النَّبْتِ، أثيتٌ، مُسبَطِرّ (2)
جابَة ُ المِدرى، لها ذُو جُدّةٍ ... تَنْفُضُ الضّالَ وأفنانَ السَّمُرْ (3)
بَيْنَ أكنافِ خُفافٍ فاللِّوَى ... مُخرِفٌ تحنو لِرَخصِ الظِّلفِ حُرّ (4)
تَحسِبُ الطَّرفَ عَليها نَجدةٌ ... يا لَقَوْمي للشّبابِ المُسبَكِرّ! (5)
حَيثُما قاظُوا بنَجْدٍ، وشتَوْا ... حَولَ ذاتِ الحاذِ مِن ثِنْيَيْ وُقُرْ (6)
فَلَهُ منها، على أحيانها ... صَفْوَةُ الرّاحِ بمَلْذوذٍ، خَصِرْ (7)
إنْ تُنَوِّلْهُ، فقدْ تمنَعُهُ ... وتُريهِ النَّجْمَ يَجري بالظُّهُر (8)
ظَلّ في عَسْكَرَةٍ من حُبّهَا ... ونَأتْ، شَحطَ مَزارِ المُدّكِر (9)
فَلئِنْ شَطّتْ نَواهَا، مَرّةً ... لَعَلى عَهْدِ حَبيبٍ مُعتَكِرْ (10)
بادِنٌ، تَجلُو، إذا ما ابْتَسَمَتْ ... عَن شَتِيتٍ، كأقاحِ الرّمْلِ، غُرّ (1)
بدّلتهُ الشّمسُ من مَنْبَتِهِ ... بَرَداً أبيَضَ, مَصْقولَ الأُشُرْ (2)
وإذا تَضْحَكُ تُبْدي حَبباً ... كَرُضَابِ المِسْكِ بالماءِ الخَصِرْ (3)
صادَفَتْهُ حَرجَفٌ في تَلعَةٍ ... فَسَجَا وَسطَ بَلاطٍ مُسبَطِرّ (4)
وإذا قامَتْ تَداعَى قاصِفٌ ... مالَ مِنْ أعلى كثيبٍ مُنقَعِرْ (5)
تَطرُدُ القُرَّ بحرٍّ صادِقٍ ... وعَكِيكَ القَيظِ، إن جاءَ، بقُرّ (6)
لا تلُمْني! إنّها من نِسْوَةٍ ... رُقَّدِ الصّيْفِ، مَقالِيتٍ، نُزُرْ (7)
كَبَنَاتِ المَخْرِ يَمْأدنَ، كما ... أنْبَتَ الصّيْفُ عَساليجَ الخُضَرْ (8)
فَجَعوني، يوْمَ زمّوا عِيرَهُمْ ... برَخِيمِ الصَّوْتِ، ملثومٍ، عَطِرْ (9)
وإذا تَلْسُنُني ألسُنُهَا ... أنّني لَستُ بمَوْهونٍ فَقِرْ (1)
لا كَبيٌر دالِفٌ مِنْ هَرَمٍ ... أرهَبُ الليلَ، ولا كَلَّ الظُّفُر (2)
وبلادٍ زَعِلٍ ظِلْمَانُها ... كالمَخاضِ الجُرْبِ في اليَوْمِ الخَدِر (3)
قد تَبَطّنْتُ، وتَحتي جَسرَةٌ ... تَتّقي الأرضَ بمَلثومٍ مَعِرْ (4)
فتَرى المَروَ، إذا ما هَجّرَتْ ... عن يَديها، كالفَراشِ المُشفِتَرْ (5)
ذاكَ عَصْرٌ، وعَداني أنّني ... نابني، العامَ، خُطوبٌ غيُر سِرّ (6)
مِنْ أُمورٍ حَدَثَتْ أمثالُها ... تَبتَري عُودَ القَويّ، المُستَمِرّ (7)
وتَشَكّى النّفْسُ ما صابَ بها ... فاصبري، إنَّكِ من قَوْمٍ صُبُرْ (8)
إنْ نُصادِفْ مُنْفِساً لا تُلْفِنا ... فُرُحَ الخيرِ، ولا نَكبو لِضُرّ (9)
أُسْدُ غابٍ، فإذا ما فَزعوا ... غَيرُ أنكاسٍ ولا هوجٍ، هُذُرْ (10)
وليَ الأصلُ، الذي في مِثلِهِ ... يُصْلِحُ الآبِرُ زَرعَ المؤتَبِرْ (11)
طَيِّبو الباءَةِ، سَهلٌ، وَلَهُمْ ... سُبُلٌ إنْ شِئْتَ في وحشٍ وعِرْ (12)
وهُمُ ما همْ، إذا ما لَبِسُوا ... نَسْجَ داوُدَ لِبأسٍ مُحتَضِرْ (1)
وتَساقَى القَوْمُ كأساً مُرّةً ... وعَلا الخَيْلَ دِماءٌ كالشَّقِرْ (2)
ثمّ زادوا أنّهُمْ، في قَوْمِهِمْ ... غُفُرٌ ذنَبهُمُ، غَيرُ فُخُرْ (3)
لا تَعِزُّ الخَمْرُ، إن طافوا بها ... بِسِباءِ الشّوْلِ، والكُومِ البُكُرْ (4)
فإذا ما شَربوها وانتَشوا ... وهَبوا كُلَّ أمونٍ وطِمِرْ (5)
ثمّ راحوا عَبَقُ المِسكِ بهِمْ ... يُلحِفونَ الأرضَ هُدّابَ الأُزُرْ (6)
ورِثوا السّؤْدُدَ عن آبائِهِمْ ... ثمّ سَادُوا سُؤدُداً، غَيرَ زَمِرْ (7)
نحنُ في المَشتاةِ ندعوا الجَفَلى ... لا تَرَى الآدِبَ فينَا يَنْتَقِرْ (8)
حينَ قالَ النّاسُ، في مجلسِهِمْ: ... أقُتارٌ ذاكَ أمْ ريحٌ قُطُرْ (9)
بجِفانٍ، تَعْتَري ناديَنا ... منْ سديفٍ، حيَن هاجَ الصِّنَّبِرْ (10)
كالجَوابي، لا تَني مُتْرَعَةً ... لقِرَى الأضيافِ، أو للمُحتضِرْ (11)
ثمّ لا يحُزُن فينا لَحمُها ... إنّما يَحْزُنُ لَحْمُ المُدّخِرْ (1)
ولَقَدْ تَعْلَمُ بَكْرٌ أنّنَا ... آفةُ الجُزْرِ مَساميحٌ، يُسُرْ (2)
ولَقَدْ تَعْلَمُ بَكْرٌ أنّنَا ... واضِحُوا الأوجُهِ، في الأزمَةِ، غُرّ (3)
ولَقَدْ تَعْلَمُ بَكْرٌ أنّنا ... فاضِلُوا الرّأي، وفي الرّوعِ وُقُرْ (4)
ولَقَد تَعْلَمُ بَكْرٌ أنّنَا ... صادقُو البأسِ وفي المَحفِلِ غُرّ (5)
يَكشِفونَ الضُّرَّ عن ذي ضُرّهمْ ... ويُبِرّون على الآبي المُبِرّ (6)
فُضُلٌ أحْلامُهُمْ عَنْ جَارِهِمْ ... رُحُب الأذرُعِ، بالخَيْرِ أُمُرْ (7)
ذُلُقٌ في غارَةٍ مَسْفُوحَةٍ ... ولدى البأسِ حُماةٌ ما نَفِرّ (8)
نُمْسِكُ الخيْلَ على مَكروهِها ... حِينَ لا يُمْسِكُهَا إلّا الصُّبُرْ (9)
حينَ نادى الحيُّ، لمّا فَزعوا ... ودَعا الدّاعي، وقد لَجّ الذُّعُرْ (10)
أيْهَا الفِتْيَانُ في مجْلِسِنَا ... جَرِّدوا مِنْها وِرَاداً وَشُقُر (11)
أعوجِيّاتٍ، طِوالاً، شُزَّباً ... دُوخِلَ الصّنْعَة ُ فيها والضُّمُر (12)
مِن يَعابِيبَ ذُكورٍ، وُقُحٍ ... وهِضَبّاتٍ، إذا ابتَلّ العُذُرْ (1)
جافلاتٍ، فَوقَ عُوجٍ عُجُلٍ ... رُكّبَتْ فيها مَلاطِيسُ سُمُرْ (2)
وَأنَافَتْ بِهَوَادٍ تُلُعٍ ... كَجُذُوعٍ شُذّبَتْ عنها القِشَرْ (3)
عَلَتِ الأيْدي بأجْوازٍ لَها ... رُحُبَ الأجْوافِ، ما إنْ تَنبَهِرْ (4)
فهي تَردي، فإذا ما ألهَبَتْ ... طارَ، من إِحْمائِهَا، شَدُّ الأُزُرْ (5)
كائراتٍ، وتَراها تَنْتَحِي ... مُسْلَحِبّاتٍ، إذا جَدّ الحُضُرْ (6)
ذُلُقُ الغارَة ِ، في إفْزَاعِهِمْ ... كَرِعَالِ الطَّيرِ، أسراباً تَمُرّ (7)
نَذَرُ الأبطَالَ صَرعى بَينها ... ما يَني مِنهُمْ كَمِيُّ مُنْعَفِرْ (8)
فَفِداءٌ، لِبَني قَيْسٍ، على ... ما أصَابَ النّاسَ من سُرٍّ وضُرّ (9)
خالَتي والنّفْسُ، قِدْماً، أنهم ... نَعِمَ السّاعونَ في القَوْمِ الشُّطُرْ (10)
وهُمُ أيْسارُ لُقْمَانٍ، إذا ... أغلَتِ الشّتْوَةُ أبداءَ الجُزُرْ (11)
لا يُلِحُّونَ عَلى غَارِمِهِمْ ... وعلى الأيْسارِ تَيْسِيرُ العَسِرْ (1)
كنْتُ فِيكُمْ كالمُغطّي رأسَهُ ... فانجَلى اليَوْمَ قِناعي وَخُمُرْ (2)
وَلَقَد كنتُ، عليكُمْ، عاتِباً ... فَعَقَبْتُمْ بِذَنُوبٍ غَيرِ مُرّ (3)
سادِراً، أحسَبُ غيّي رَشَداً ... فتناهَيْتُ، وقد صابَتْ بِقُرّ (4)













مصادر و المراجع :

١- ديوان طرفة بن العبد

المؤلف: طَرَفَة بن العَبْد بن سفيان بن سعد البكري الوائلي أبو عمرو الشاعر الجاهلي (المتوفى: 564 م)

المحقق: مهدي محمد ناصر الدين

الناشر: دار الكتب العلمية

الطبعة: الثالثة، 1423 هـ - 2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید