المنشورات

أول من عاقب على الهجاء

أخبرنا غير واحد ان الزبرقان بن بدر لقى الحطيئة فقال: من أنت؟
فقال: أنا حسب موضوع أبو مليكة، فقال له: الزبرقان إنى أريد وجها فسر الى منزلى وكن هناك حتى أرجع، ففعل، فأنزلته امرأة الزبرقان وأكرمته، فحسده بنو عمه بنو لأى، فدسوا الى الحطيئة، فقالوا: ان تحولت الينا أعطيناك مائة ناقة، ونشد الى كل طنب «1» من أطناب بيتك حلة هجرية وقالوا لامرأه الزبرقان: إنما قدم الزبرقان هذا الشيخ ليتزوج ابنته، فقدح «2» ذلك فى نفسها، فلما أراد القوم النجعة «3» تخلف الحطيئة، وتغافلت المرأة، فاحتمله القريعيون، ووفوا له بما قالوا، فأخذ فى مدحهم، وهجا الزبرقان فقال:
أزمعت يأسا مبينا من نوالكم ... ولا يرى طاردا للحرّ كالياسى
دع المكارم لا ترحل لبعيتها ... واقعد فانّك أنت الطّاعم الكاسى «4»
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والنّاس
فاستعدى الزبرقان عليه عمر، فحكم عمر حسان، فقال ما هجاه ولكن سلح «5» عليه، فحبس عمر الحطيئة فى بئر، فقال يستعطفه:
ماذا تقول لأفراخ بذى مرخ ... خمر «6» الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم فى قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر
ما آثروك بها اذ قدّموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الأثر «1»
فأخرجه عمر، وجلس على كرسى، وأخذ شفرة وأوهمه أنه يريد قطع لسانه، فصاح وقال: إنى يا أمير المؤمنين، والله قد هجوت أمى وأبى ونفسى وامرأتى، فتبسم عمر وقال: ما الذى قلت؟ لابى وأمى:
ولقد رأيتك فى النّساء فسؤتنى ... وأبا بنيك «2» فساءنى فى المجلس
وقلت أيضا: «3»
تنحّى فاجلسى منّى بعيدا ... أراح الله منك العالمين
ولم أظهر لك البعضاء منّى ... ولكن لا أخالك تعقلين
أغربا لا اذا استودعت سرّا ... وكانونا على المتحدّثين
وقد أخذ هذا المعنى من كعب بن زهير حيث يقول:
ولا تمسّك بالوعد الّذى وعدت ... الا كما يمسك الماء الغرابيل
قال: وقلت لامرأتى:
أطوّف ما أطوّف ثمّ آوى ... الى بيت قعيدته لكاع «1»
وقلت لنفسى:
أبت شفتاى اليوم الّا تكلّما ... بسوء فما أدرى لمن أنا قائله
أرى لى وجها شوّه الله خلقه ... فقبّح من وجه وقبّح حامله
وقد هجا من أحسن اليه فقال:
سمحت ولم تبخل ولم تعط طائلا ... فسيّان لا ذمّ عليك ولا حمد
فخلى سبيله عمر بعد ان أخذ عليه الا يهجو احدا، وجعل له ثلاثة آلاف درهم اشترى بها منه أعراض المسلمين، فقال يذكر ذلك:
وأخذت أطوار الكلام فلم تدع ... شتما يضرّ ولا مديحا ينفع
ومنعتنى عرض البخيل فلم يخف ... شتمى وأصبح آمنا لا يجزع















مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید