المنشورات

أول وشاية كانت بالعمال ومصالحة خليفة لهم على ما يأخذه منهم

أخبرنا أبو أحمد قال: أخبرنا أبو بكر قال: أخبرنا أبو حاتم عن أبى عبيدة قال أبو بكر: هذا الخبر صدر به أبو عبيدة كتاب منافع الشعر ومضاره، قال:
كتب يزيد بن قيس الصعق الكلابى الى عمر (رضى الله عنه)
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... فأنت أمين الله فى الأمر والنّهى
وأنت أمين الله فينا ومن يكن ... أمينا لربّ النّاس يسلم له صدرى
فلا تدعن أهل الرّساتيق «1» والقرى ... يضيعون مال الله فى الأدم الوفر
وأرسل الى الحجّاج فاعرف حسابه ... وأرسل إلى جزء وأرسل الى بشر
ولا تنسينّ النّافعين كليهما ... ولا ابن غلاب من سراة «2» بنى نصر
وما عاصم منّا بصفر عنانه ... وذاك الّذى فى السوق مولى بنى بدر
وأرسل الى النّعمان وابن مغفّل ... وصهر بنى غزوان إنّى لذو خبر
وشبل هناك المال وابن محرّش ... وقد كان فى أهل الرّساتيق ذا ذكر
فأرسل اليهم يصدقوك ويخبروا ... أحاديث هذا المال ذى العلم الدثر «3»
فقاسمهم نفسى فداؤك انّهم ... سيرضون إن قاسمتهم منك بالشّطر
ولا تدعونّى للشّهادة انّنى ... أعيب ولكنّى أرى عجب الدّهر
أرى الحور كالغزلان والبيض كالّدمى «1» ... وما ليس يحصى من قرام «2» ومن ستر
ومن ريطة «3» مكنونة فى خبائها ... ومن حىّ أستار معصفرة حمر
اذا التّاجر الدّارىّ جاء بفأرة «4» ... من المسك راحت فى مفارقهم تجرى
نؤوب «5» اذا آبوا ونغزوا اذا غزوا ... فأنّى بهم وفر ولسنا ذوى وفر
الحجاج الذى ذكره، هو الحجاج بن عتيك الثقفى، كان على الغزاة وجزء ابن معاوية، عم الاحنف، كان يلى السوق، وبشر بن المحتضر المرى كان على جند نيسابور، والنافعان نافع بن الحارث كان على غنائم الابلة، وأخوه نفيع أبو بكرة، وابن غلاب خالد بن الحارث ابن أوس من بنى دهمان، كان على بيت المال بأصبهان، وعاصم بن قيس بن الصلت السلمى، كان على المناذر وعلى الصدقة، والذى فى السوق سمرة بن جندب، كان على سوق الاهواز، والنعمان بن عون بن نضلة من بنى عدى بن كعب، وضمير بن غزوان ومجاشع بن مسعود، وابن مغفل المزنى، وهو الذى نزل فيه قوله تعالى: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ
، «6» وشبل بن معبد البجلى، وابن محرش- هو أبو مريم أياس ابن صبيح- كان على رام هرمز، فلما قاسمهم عمر أموالهم أجاب الكلابى الحارث الغلابى.
أبلغ أبا المختار امّا لقيته ... فقد كان ذا قربى اليك وذا صهر
فما كان مالى من جباية خائن ... فتجعلنى ممّا يؤلّف فى الشّعر
ولكن عطاء الله فى كلّ ركبة ... اذا الخيل جالت بالمثقّفة السّمر «1»
وصبرى اذا حاد النّجيد «2» عن الوغى ... وأمرى اذا حاد المدجّج «3» بالصّبر
فان كنت للنّصح ابتغيت قصيدة ... فانّ لدى الله المثوبة بالأجر
وان كان عن بغى وفرط نفاسة ... فشرّ هى الحوّاء «4» ذو النّيرب «5» المعرى
وأخبرنا أبو أحمد قال: أخبرنا ابن الأنبارى قال: حدثنا محمد بن أحمد المقدمى قال: حدثنا عبد الله بن شيب قال: حدثنا محمد بن معاوية عن عبد الرحمن بن عبد الملك الانصارى- وكان جليسا لمالك ابن أنس- عن محمد بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: لما قلد عمر بن الخطاب عمرو بن العاص على مصر، بلغه انه قد ظهر له مال كثير، من ناطق وصامت «6» فكتب اليه:
اما بعد: بلغنى ما ظهر لك من كثرة المال، ولم يكن ذلك فى رزقك، ولا كان لك مال قبل ذلك، فأنى لك ذلك؟ فو الله لو لم يهمنى فى ذات الله، الا من اختان مال الله لكثر همى. وانتشر أمرى، وقد كان عندى من المهاجرين الاولين من هو خير منك، ولكنى قلدتك هذا الامر رجاء عنائك، «1» فان كان ذاك لك، فإنا لا نؤثرك على أنفسنا، فاكتب الى: من أين لك هذا المال؟ وعجل.
فكتب عمرو: أما بعد: فقد فهمت كتاب أمير المؤمنين، فأما ما ظهر لى من مال، فانا قدمنا بلادا رخيصة الاسعار، كثيرة الغزو، فجعلنا ما أصابنا فى الفضول التى اتصلت بأمير المؤمنين، والله لو كانت جبايتك حراما ما جئتك، وقد اتهمتنى، «2» فأقصر عنى كتابك، فان لنا أحسابا اذا رجعنا اليها أغنتنا عن العمل مع مثلك، وذكرت ان عندك من المهاجرين من هو خير منى، فان كان ذاك فو الله ما دققت لك بابا ولا فتحت لك قفلا، فكتب اليه عمر رضى الله عنه:
أما بعد: فإنى لست من تسطيرك الكتاب، وتسقيفك «3» الكلام فى شىء، وأنتم معشر الامراء، قعدتم على عيون الاموال، ولن يعوزكم عذر، وانما تأكلون النار، وتؤثرون العار، وقد وجهت اليك محمد بن مسلمة فسلم اليه شطر ما فى يدك، فصنع عمرو لمحمد طعاما فلم يأكل منه، وقال: هذا تقدمة الشر، لو جئتنى بطعام الضيف لأكلت، فنح عنى طعامك، وأحضرنى مالك، فأحضره ماله، فجعل يأخذ شطره، فلما رأى كثرة ما صار الى محمد قال: لعن الله زمانا كنت فيه عاملا لعمر، فو الله لقد رأيت عمر وأباه، على كل واحد منهما عباءة قطوانية، «4» لا تجاوز مآبض «5» ركبتيه، وعلى عنقه حزمة حطب، والعاص بن وائل فى مزراب الديباج، «1» فقال محمد: أيها عنك «2» فعمر والله خير منك، واما أبوك وأبوه فانهما فى النار، ولولا ما سبقت اليه من الاسلام، لألفيت معتقلا شاة، يسرك عذرها، «3» ويسوؤك جمادها، «4» قال: صدقت فاكتم على، قال أفعل.
وأكثر ما كتب لك من هذه الاخبار فانى أكتبه من حفظى اذ حال بينى وبين الوصول الى مظانها من كتبى، استيلاء الضعف، وقله المعين، فان وجدت فى بعض ألفاظها تغييرا فلا تنكر، فانى قد أديت اليك المعانى وافية، وصورتها فى نفسك تصويرا صحيحا، وما ألقيته من ألفاظها فانه لا يحتاج اليه فى كشف أغراضها والتعبير عن صورتها، فاذا انكشف لك المعنى فلا تبال بما القى من فضول اللفظ، فقد خف عنك بالقائها مؤونة فضل الاستمتاع، وفضل الحفظ، وكثرة تحريك اليد بالكتابة، ولكل كلام مقدار تقبله النفس، ويعيه القلب فاذا جاوز ذلك تبرم به القارىء، ونبا عنه سمع السامع، وخير الامور أوسطها، وأحبها الى النفوس أعدلها.















مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید