المنشورات

أول الامراء على الشام أبو عبيدة

أخبرنا أبو القاسم عن العقدى عن أبى جعفر عن أبى الحسن عن رجاله قالوا: لما فرغ أبو بكر- رضوان الله عليه- من أهل الردة، وأمر الحيرة، استنهض الناس الى الشام، فتثاقلوا، فقال عمر: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ
«1» فقال خالد بن سعيد بن العاص: لنا تضرب مثل المنافقين؟ فقال أبو بكر: كلا! ولكن أراد أن يبعث المتثاقلين، فعقد أبو بكر لخالد بن سعيد على الشام، فقال عمر: أتعقد لرجل أمر الناس بالتغالب؟ «2» وكان خالد حين توفى رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- غائبا، فلما قدم وقد بويع أبو بكر، أتى عليا- رضى الله عنه- فقال: أرضيتم أن يليكم رجل من تيم؟
فعزل أبو بكر خالدا، فعقد ليزيد بن أبى سفيان، وبعثه فى سبعة آلاف، ومشى معه وهو راكب، وأوصاه وودعه ثم وجه بعد ثالثة شرحبيل بن حسنة فى سبعة آلاف. ثم وجه أبا عبيدة بن الجراح فى مثلهم أميرا عليهم جميعا، وبعث عمرو بن العاص فى قوم من مسلمة الفتح وغيرهم، فقال عمرو: ألست أميرا على جماعة الناس بالشام؟ قال: لا، أنت أحد الامراء، فاذا اجتمعتم لحرب، فأميركم أبو عبيدة.
وقال عمرو: لا أرى أن يقدم الذين حادوا الله ورسوله، على من قاتل عن دين الله، فغضب سهيل بن عمرو ورجال من قريش، فظنوا أنه عرض بهم. ثم قال سهيل لهم: اغضبوا على أنفسكم، دعوا ودعيتم، «1» فأسرعوا وأبطأتم، والله لا أدع موقفا وقفته مع المشركين الا وقفته مع المسلمين، فسار عمرو فنزل بغمر الغربان من أرض فلسطين، وأتى يزيد بن أبى سفيان البلقاء «2» وشرحبيل الأردن، وأبو عبيدة باب، «3» فصالحه أهلها، فكان أول ما صولح عليه من الشام وكان هرقل بفلسطين، فقال لأصحابه: إنكم قد غيرتم وبدلتم وأفسدتم، فسلط الله عليكم أضعف الأمم عندكم، وان مدينة من مدائنكم لتعدل أضعافهم، فقاتلوا عن أنفسكم وحرمكم، واستخلف أخاه، وخرج الى انطاكية، «4» فقال أبو بكر- رضى الله عنه- تحوله أول نقصه وهزيمته.
ثم خرج خالد بن سعيد بن العاص فى جماعة الى مرج الصفر «5» فبلغ أهل بصرى. «6» فخرجوا فى أربعة آلاف، فأتوهم وهم غارون. فقتلوا خالدا «7» وجماعة من المسلمين، وانهزم الباقون، فعزم أبو بكر على تولية خالد بن الوليد الشام، وهو بالحيرة، «8» فكتب اليه بذلك، فاستخلف المثنى بن حارثة، وخرج فى شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة فى ثمانمائة، فقال محصن بن الحارث الأسدى:
اذا رأيت خالدا مخفّفا ... وكان بين الأعجمين أنصفا
فى فيلق بالنّقع قد تلحّفا ... وهبّت الرّيح شمالا جرحفا «9»
فى حومة الموت اذا الموت هفا «1» ... لودّ بعض القوم لو تخلّفا
ليس أخو الإسلام إلّا من وفا فجاء حتى وصل طرف المفازة، «2» فالتمس دليلا، فجىء برافع بن عمير الطائى، فقال له: لا يسلك هذه المفازة الا مغرور، فقال: لا بد من سلوكها، قال: فمن استطاع أن يصر أذن بعيره على ماء فليفعل، فحملوا ما قدروا عليه من الماء، وساروا حتى فنى ماؤهم، وشارفوا الهلاك.
فقال رافع: اطلبوا شجرة عوسج، «3» فطلبوا فلم يروا شيئا، وكان رافع قد رمد فلم يقدر على الطلب، فقال: هلكت وهلكتم، اطلبوا، فذهبوا يمينا وشمالا، فوجدوا منها جذما، «4» فقال: احفروا، فحفروا، فاستطلبوا الماء، فارتووا وحملوا، وارتحل خالد، وطرقوا هنوا «5» من ليلتهم- وهو ماء لكلب- ووافقهم ناس من بهراء «6» فانحازوا اليهم، فدخل المسيب بن نجبة بيتا فسمع غناء بن النعمان البهرانى يقول:
الا علّلانى قبل جيش أبى بكر ... لعلّ منايانا قريب ولا ندرى
أرينى سلاحى يا سمىّ فإنّنى ... أخاف بيات القوم مطّلع الفجر
فهل لكم فى السّلم قبل لقائهم ... وقبل خروج المعصرات من الخدر «1»
فضربه المسيب فرمى برأسه فى جفنة «2» كان يشرب منها، وساق أهله وماله.
وقال بعض الطائيين:
لله درّ رافع أنّى اهتدى ... فوّز من قراقر الى سرا «3»
خمسا اذا سارها الجبس «4» بكى ... ما سارها قبلك من إنس يرى
وقال رجل من طىء أيضا:
ونحن جلبنا الخيل يوم يراعة ... نطاعن عنها والأسنّه تقطر «5»
بدوّيّة مرّت كأنّ سراتها ... بأرجائها القصوى ملاء منشّر «6»
فكان خالد على الشام حتى قام عمر فعزله.














مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید