المنشورات

أول من اتخذ الجربانات العراض جعفر بن يحيى

وكان طويل العنق، فأراد ان يسترها بعرض الجربان، «1» ومدح أبو نواس يحيى بن خالد فأراد أن يجيزه بجائزة سنية، فمنعه جعفر لميلة كانت الى أبان اللاحقى، وكان أبانا يعادى أبا نواس، فقال أبو نواس يهجوه:
قالوا امتدحت فماذا اعتضت قلت لهم ... خرق النّعال واخلاق السّرابيل
قالوا فسمّ لنا الممدوح قلت لهم ... أو وصفه يعدل التّفسير فى القيل
ذاك الامير الّذى طالت علاقته ... كأنّه ناظر فى السّيف بالطّول
وقال فيه:
عجبت لهارون الامام وما الّذى ... يرى ويرجىّ منك يا خلقة السّلق
قفا خلف وجه قد أطيل كأنّه ... قفا ملك يقضى الهموم على بثق «1»
وأعظم زهوا من ذباب على خرا ... والأم من كلب عقور على عرق «2»
قال أبو هلال: وقد ظلمه قبحه الله! فما كان فى الارض أفضل من برمك وبنيه، ولا أتم آلة فى كل فضيلة منهم، ولكن الشاعر كذبه، وقد قيل:
وانّما الشّاعر مجنون كلب «3» ... أكثر ما يأتى على فيه الكذب
ووجدت بخط بعض العلماء قال اسحاق الموصلى: ولد لى مولود فحمل الى عبد الله بن مالك عشرة آلاف درهم وقال: اصرفها فى ثمن ظئر، «4» فقبضتها ثم جئته يوما فاحتبسنى، وأحضر الطعام والشراب وقال:
لم لم تنبسط عندنا كانبساطك عند غيرنا؟ قلت: كأنك تريد البرامك؟ قال:
اياهم أردت، قلت: فاسمع حديثا من أحاديثهم، قال: هات.
قلت: كنت فى ابتداء أمرى فى منزل ضيق، ولى حمار ليس له مربط، فكنت أربطه فى دهليز «1» فأتأذى بأقذاره، فوقف يحيى بن خالد على ذلك، فقال: ان لوما بنا ان يكون من نخصه ونوده ليس له منزل يصح ان نزوره فيه عند توانيه، ودعا بوكيل له وقال: ابن لابى محمد دارا تصلح أن نجتمع معه فيها، فأومأت الى عدة دور حوالى فأحضر أربابها، وأوقفهم على أثمانها، وانصرف ليحمل لى المال، فحضرته من الغد ودعاهم فقالوا: جاء البارحة رجل أصفهانى ووفانا وأشهد علينا، وما شككنا أنه رسولك، ونحن فى ذلك إذ حضر الاصفهانى، ومعه الفعلة، وأخذوا فى الهدم، فاغتممت غما لاكفاء له، وقلت للوكيل: تبتاع من الجانب الآخر. وابتعنا دويرتين. «2» وامتنع بقية جيرانى من بيع دورهم. فجعلت أبنى دارا صغيرة، وجعل الاصفهانى يبنى دارا ليس لها نظير حسنا وسعة ونفاسة، وجعل يسابقنى الى ما أريد، من باب حسن وخشب نادر، وبناء مجيد، ونقاش حاذق، فنغصنى عيشى، فلما تم البناء أعلمت يحيى، فقال للوكيل: اشتر لكل دار من دارى أبى محمد ما يصلح له من الفرش الصيفى والشتوى، وما يحتاج اليه من الآلات والاوانى والخدم والغلمان.
والوصفاء والوصائف، ما يومىء اليه، ففعل.
ثم قال: لا بد ان تعودنا يوما، قلت: متى شئت، فحمل الى مائة ألف درهم وسمى يوما يحضر فيه، فهيأت جميع ما يصلح لمثله. فحضر هو وولده محمد وجعفر والفضل وجماعة ندمائه وخواصه. فطاف فى الدار، ثم صعد الى السطح، وأشرف على دار الاصفهانى، وقد ارتفع بناؤها وفرشت وزينت فقال: لمن هذه الدار؛ قلت: لرجل أصفهانى، صبه الله على بنصب وعذاب، وقصصت عليه قصته فنزل وقال: يا غلام؛ الفعلة فأحضروا فقال:
انقبوا فى هذا الحائط بابا، فنقبوا، ودخلوا! ودخلت معه، واذا فيها عدد ما أعددته من الجوارى والغلمان والفرش والآلات والاوانى، ومثل ما اتخذت من الطعام والشراب، فأكل وأكلنا وقال: لولده: هديتكم الدار الجديدة. فأحضر كل واحد منهم عشرة آلاف دينار. وقال: خذها وتمتع بهذه الدار، ولا تسب الاصفهانى، فانه كان يعمل ما يعمله لك.
فقلت هذا واحد من أحاديثهم، وما صار الى منهم فى دفعة واحدة. فمن فعل مثل فعلهم، فعلت به مثل فعلى بهم، والا فلا، فما أجاب عبد الله جوابا.
وذكر أحمد بن حذيفة ان المنصور هم بهدم ايوان كسرى، واستعمال آجره «1» فى بناء يبنيه ببغداد، فقال له خالد بن برمك: لا ينبغى ان تفعل ذلك لان هذا البناء، وان كان فخرا للاعاجم، فان ذكره وفخره قد عاد الى أهل الاسلام وذلك أنهم غلبوا على ملك من كان يفتخر بهذا البناء، والغالب أحق بالفخر، فقال له المنصور: أبيت الانصرة الاعاجم، وأمر بهدمه، فهدم منه ثلمة، «2» وحمل آجره الى بغداد، فنظر، فاذا كل آجرة تقوم عليه بدرهم، فأضرب عن هدمه.
فقال له خالد: أما الآن فينبغى أن تهدمه، لئلا يقال: أنه لم يسعه ان يهدم ما وسع الاكاسرة بناءه، فضاقت نفسه عن النفقة فتركه؟ وقالوا: ان ايوان كسرى يحتاج فى هدمه من النفقة الى مثل ما احتاج اليه فى بنائه، وهذا معدوم فيما سواه من الابنية، الا ما يقال فى هرمى مصر.















مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید