المنشورات

أول قاض بالبصرة أبو مريم الحنفى

واسمه أياس بن صبيح بن محرس.
أخبرنا أبو احمد عن الجوهرى عن أبى زيد عن الحسن ابن عثمان عن أبى عبيدة قال: أول من قضى بين أهل البصرة أبو مريم الحنفى لعتبة بن غزوان، عند قدومه البصرة سنة أربع عشرة، فلم يزل قاضيا حتى مات عتبة فى سنة خمس عشرة، وولى المغيرة بن شعبة فأقره، حتى عزل، فلم يقض بعده الا يسيرا، حتى شكى الى عمر ضعفه فعزله.
وكان أبو مريم قتل زيد بن الخطاب أخا عمر، وكان لعمر شدة عليه.
أخبرنا أبو احمد عن الجوهرى عن أبى زيد عن أبى عاصم عن أبى عون عن محمد قال: خرج عمر من الخلاء وهو يذكر شيئا من القرآن، فقال له أبو مريم: انك خرجت من الخلاء، قال عمر: أمن فتيا مسيلمة هذا؟ «1» وكانوا يقولون ان فى عمر شدة عليه لانه قتل أخاه زيدا يوم اليمامة، فلما كان بعد جعل يقول: ان الله أكرم زيدا بيدى، ولم يهنى بيده، «2» قال له عمر. أقتلته؟ لا أحبك حتى تحب الارض الدم، قال: او يمنعنى ذلك حقى عندك؟ قال: لا. قال: لاضير اذا «3» وقالوا أول من قضى بالبصرة لعمر سليمان ابن ربيعة وقتل بلنجر من أرض الترك. فى خلافة عثمان (رضى الله عنه) وعظامه عند أهلها يستسقون بها.
قال ابن حمانة:
وانّ لنا قبرين قبرا بلنجر ... وقبرا بأعلى الصّين يا لك من قبر
فهذا الّذى بالصّين عمّت فتوحه ... وهذا الّذى بالتّرك يسقى به القطر
أراد بالذى فى الصين قبر قتيبة بن مسلم، قيل بفرغانه «1» فجعله فى الصين.
وقالوا: أول من قضى بالبصرة كعب بن سور؟
أخبرنا أبو احمد عن الجوهرى قال: حدثنا الحسن بن عثمان عن اسماعيل بن ابراهيم عن منصور بن عبد الرحمن عن الشعبى ان كعب بن سور كان جالسا عند عمر، فجاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين! ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجى، انه يبيت ليله قائما، ويظل نهاره صائما فى اليوم الحار وما يفطر، فاستغفر الله لها، وأثنى عليها، وقال: مثلك أنثى الخير، فاستحيت المرأة وقامت راجعة.
فقال كعب: يا أمير المؤمنين! هلا أعديت «2» المرأة على زوجها إذ جاءتك تستعديك؟ قال: أو ذاك أرادت؟ قال: نعم. قال: ردوا على المرأة، فردت، فقال: لا بأس بالحق أن تقوليه، هذا زعم انما جئت تشكين زوجك أنه تجنب فراشك، قالت: أجل، أى امرأة لا تبتغى ما يبتغى النساء؟
فأرسل إلى زوجها فجاء فقال لكعب: اقض بينهما، قال أمير المؤمنين أحق بالقضاء بينهما، قال: انك فهمت من أمرهما ما لم أفهم، قال: فانى أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هذه رابعتهن، فأقضى له ثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن، ولها يوم وليلة، فقال عمر- رضى الله عنه- والله ما رأيك الاول أعجب «1» الى من الآخر! اذهب فأنت قاض على البصرة، فقتل يوم الجمل مع عائشة رضى الله عنها.
أخبرنا أبو احمد عن الجوهرى عن أبى زيد، وذكر عبيدة ولم يسنده:
أن صاحب عين هجر «2» أتى عمر وعنده كعب بن سور فقال: يا أمير المؤمنين! ان لى عينا فاجعل لى خراج ما تسقى، فقال: هو لك، فقال كعب: يا أمير المؤمنين! ليس ذلك له، قال: ولم؟ قال: لانه يفيض ماء عن أرضه فيسيح فى أرض الناس، ولو حبس ماؤه فى أرضه لغرقت، فلم ينتفع بمائه ولا بأرضه، فمره فليحبس ماءه ان كان صادقا، قال عمر: أتستطيع أن تحبس ماءك؟ قال: لا. فكانت هذه لكعب مع الأولى وبمثل هذه القصة استقضى عمر شريحا على الكوفة.
أخبرنا أبو أحمد عن الجوهرى عن أبى يزيد عن الحسن ابن عثمان عن اسماعيل بن ابراهيم عن منصور بن عبد الرحمن عن الشعبى: ان عمر اشترى من رجل فرسا أن رضيه فحمل عليه رجلا فعيب الفرس، فجاء به صاحبه، فقال: لا أقبله، دفعته اليك صحيحا وتدفعه الى كسير؛ فقال عمر: اجعل بينى وبينك شريحا، قال: لا أعرفه، ثم أتاه فقص عليه القصة، فقال: ان كنت حملت عليه بأمره فاردده عليه، والا فقد ضمنته حتى تدفعه اليه كما دفعه اليك، فقال عمر: ما الحق الا هذا، اذهب فأنت قاض على الكوفة، هذا معنى الحديث.
وقال له حين استقضاه: لاتشار ولا تضار، ولا تشتر ولا تبتع، ولا ترتش، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين! ان القضاة اذا توخوا عدلا، وزحزحوا بالعلم عنهم جهلا، كانوا كغيث قد أصاب محلا.
أخبرنا أبو أحمد عن الجوهرى عن أبى زيد عن أحمد بن معاوية عن ابن الكلبى عن الشرقى قال: كانت عند شريح امرأة قد ولدت له، وله وصيفة يحبها، فانصرف فى يوم حار فوجد امرأته نائمة، فأمر الوصيفة فصارت الى بيت فخلعت قرقلها، «1» وخلع قميصه، ودنا منها، وانتبهت المرأة فاقتفت أثره، وأحس بها فذهب عقله، فلبس القرقل، ولبست الجارية القميص، وأكب على البساط يشير، فقالت، ما تصنع؟ قال: زعمت الجارية ان طوله كذا، وزعمت أنه كذا، قالت: فقرقلها: عليك، قال: من هذا أعجب أنا أيضا، فذهبت تلومه، فقال: هى حرة.
وبعضهم ذهب الى ان عمر لم يكن ليولى شريحا الكوفة وفيها المهاجرون والانصار، وليست له صحبة. وقيل ان شريحا قضى سبعا وخمسين سنة- الى فتنة ابن الزبير- وتوفى فى سنة ثمانين، وهو ابن مائة وثمانى سنين.











مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید