المنشورات

أول من صنف الكلام أبو حذيفة واصل بن عطاء

قال أبو عثمان: لم يعرف فى الاسلام كتاب كتب على أصناف الملحدين، وعلى طبقات الخوارج، وعلى غالية الشيعة والمشايعين فى قول الحشوية قبل كتب واصل بن عطاء، وكل أصل نجده فى أيدى العلماء فى الكلام والاحكام فانما هو منه، وهو أول من قال: الحق يعرف من وجوه أربعة: كتاب ناطق، وخبر مجتمع عليه، وحجة عقل، واجماع وأول من علم الناس كيفية مجىء الاخبار وصحتها وفسادها واول من قال: الخبر خبران، خاص وعام، فلو جاز ان يكون العام خاصا، جاز أن يكون الخاص عاما، ولو جاز ذلك لجاز أن يكون الكل بعضا والبعض كلا، والامر خبرا والخبر أمرا، وأول من قال: إن النسخ يكون فى الأمر والنهى دون الاخبار. وأول من سمى معتزليا، «1» وذلك لمجانبته تقصير المرجئة «2» . وغلو الخوارج، «3» وكل من نبز «4» بشىء أنف منه، مثل الرفض والجبر «5» والرافض يسمى نفسه شيعى، والمجبر يقول: أنا سنى، ولذلك المرجىء يسمى نفسه شاريا. والمعتزلى راض باسم الاعتزال غير نافر منه، ولا كاره له ولا مستبدل به، لما رضيه له سلفه وكان أبو حذيفة واصل خطيبا راوية قد لقى الناس، وجالس ابن الحنفية وسمع منه، واختلف الى الحسن، وكان طويل الصمت، وكان يظن به الخرس، فقيل لعمرو ابن عبيد: انه أعلم الناس بالرد على أهل البدع والملحدة العدو ليلا فسمعوه يقول لغلامه: ألبد الجواد «1» فاستظرفوا توقيه الراء، وهو يكلم غلامه والاظرف أنه كان على ذلك الحال من المخافة والانزعاج.
وبلغه ان بشار بن برد الشاعر ذكر عنده عمر فنال منه، وعثمان فشتمه، ثم على رضى الله عنهم جميعا فأنشد:
وما خير الثّلاثة أمّ عمرو ... بصاحبك الّذى لا تصحبينا
فقال واصل: اما هاهنا أحد يذهب الى هذا الاعمى المشنف المكنى بأبى معاذ فيبعج بطنه على مهاده، فقال: الاعمى ولم يقل: الضرير، وقال المكنى بأبى معاذ ولم يقل: بشار، وقال: المشنف ولم يقل: المرعث- وذلك ان بشارا كان يلقب المرعث، والمرعث المقرط، والرعث القرط، والمشنف المقرط أيضا، والشّنف القرط الذى يعلق فى أعلى الأذن- وقال:
يبعج ولم يقل: يبقر، وترك الفراش، وقال: المهاد.
واما قولهم: واصل الغزال، فلم يكن غزالا، ولكن كان يجلس الى أبى عبد الله الغزال مولى قطن الهلالى، وكان رضيعه ومن مستحبيه، وذلك مثل ما قيل لابراهيم بن يزيد الخوزى، ولم يكن خوزيا، وانما كان ينزل بمكة بشعب الخوز وأبو سعيد المقبرى ليس بنسب، ولكن كان ينزل المقابر، وقد أجمع أصحابنا أن واصلا لم يمس بيده دينارا ولا درهما قط، ولذلك قال الاسباط بن واصل الشيبانى فى كلمة يرثى فيها واصلا:
ولا صرّ «2» دينارا ولا مسّ درهما ... ولا عرف الثّوب الّذى مرّ قاطعه
يقول: لم يدر كم شبرا يقطعه، كما تعرف التجار وقد علمنا ان دعاة واصل فى الآفاق، ورسله الى الاطراف، أنبل من جميع رؤساء النحل. وكان قد جهز الى افريقية والى خراسان والجبال والى السند والى الثغور والحجاز رجالا يدعون الى مقاله، فهجروا له الاوطان، وخلفوا الازواج والولدان، واهملوا الاموال، وصبروا عن مجالسة الاخوان، وليس هذا بصفة غزال، ولا أحد ممن يعالج الحرف، وقال أبو الطروق يردد ذلك المعنى:
متى كان بيّاع الغزول مقدّما ... على كلّ حال فى الرّهان وسابق
متى اجتمع الشّرق المنير وغربه ... ليبّاع غزل خامل الأصل مارق
















مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید