المنشورات

أول من وضع اللغة على الحروف وأول من عمل العروض أبو عبد الرحمن الخليل بن احمد

وكان من فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد صريح فيهم، وقيل هو مولاهم، وأصله من الفرس،- والفراهيد غنم صغار، واحدها فرهود- وكان الخليل من أزهد الناس وأعلاهم نفسا، وأشدهم تعففا وكان الملوك يقصدونه متعرضين له لينال من دنياهم فلم يكن يفعل ذلك، وكان يعيش من بستان له خلفه أبوه بالجزيرة، «1» وكان يحج سنة ويغزو سنة حتى جاءه الموت.
حدثنا أبو احمد عن الصولى عن المغيرة بن محمد المهلبى من حفظه قال: حدثنا خالد بن خداش قال. كان الخليل ابن أحمد يحب ان يرى عبد الله ابن المقفع، وكان عبد الله يحب ذلك، فجمعهما عباد بن عباد المهلبى، فتحدثا ثلاثة أيام ولياليهن، ثم افترقا، فقيل للخليل: كيف رأيت عبد الله؟
قال: ما رأيت مثله قط، وعلمه أكثر من عقله. وقيل لابن المقنع: كيف رأيت الخليل؟ قال: ما رأيت مثله قط، وعقله أكثر من علمه.
قال المغيرة: وصدقا فى ذلك، فقد أدى عقل الخليل الى أن مات أزهد الناس، وجهل ابن المقفع فكتب أمانا لعبد الله بن على على المنصور، فقال فيه ما كان مستغنيا ان يقوله مما لا تتحمل الامراء فضلا عن الخلفاء مثله، فكتب المنصور حين قرأ قوله: «ومتى غدر أمير المؤمنين بعمه عبد الله، فنساؤه طوالق، ودوابه حبس، وعبيده أحرار، والمسلمون فى حل من بيعته» فاشتد ذلك على المنصور جدا، وخاصة أمر البيعة، فكتب الى سفيان بن معاوية- وهو أمير على البصرة- أن اقتل ابن المقفع، فقتله.
ولم يكن فى العرب أزكى من الخليل بن احمد، وهو مفتاح العلوم ومصرفها.
أخبرنا أبو أحمد عن الصولى قال: سمعت احمد بن يحيى يقول: انما وقع الغلط فى كتاب العين لان الخليل رسمه ولم يحشه، ولو حشاه ما أبقى فيه شيئا، لان الخليل لم ير مثله، وقال: حشا الكتاب قوم علماء، الا انه لم يؤخذ عنهم رواية، وانما وجد بنقل الوراقين، فاختل الكتاب لهذه الجهة.
أخبرنا أبو أحمد عن الصولى، عن محمد بن يحيى الادمى عن عبد الله بن الفضل عن أبيه قال: كان عندنا رجل يعطى دواء لظلمة العين، ينتفع به الناس فمات. فأضر ذلك بمن كان يستعمله. فذكر ذلك للخليل فقال: أله نسخة؟ فقالوا لم نجد نسخة. قال: فهل كانت له آنية يعمل فيها؟ قالوا:
نعم. قال: فجيئونى بها، فجاءوه بها، فجعل يتشممه ويخرج نوعا نوعا، (حتى ذكر خمسة عشر نوعا،) «1» ثم سأل عن جمعها، ومقاديرها، فعرف ذلك ممن يعالج مثله، فعمله وأعطاه الناس، فانتفعوا به، مثل تلك المنفعة، ثم وجدت النسخة فى بعض كتب الرجل، فوجد الاخلاط ستة عشر خلطا كما ذكر الخليل، لا يغفل منها الا خلطا واحد.
حدثنا أبو أحمد عن الصولى عن اسحاق بن ابراهيم القزاز عن ابراهيم التيمى قال: سمعت عبد الله بن داود الحرسى يقول: قال الخليل بن احمد: 
ثلاثة أشياء أنا أحبها لنفسى ولمن أحب رشده: أحب أن أكون بينى وبين ربى من أفاضل عباده، وأكون بينى وبين الخليفة من أوسطهم، وأكون بينى وبين نفسى من شرهم.
قال عبد الله: لو كتب شىء بالذهب لكتب هذا. وقال الخليل: اذا أردت ان تعرف خطأ معلمك فجالس غيره.
وحدثنا الصولى عن محمد بن يزيد قال: نما الى أن الخليل بن أحمد قال: اذا خرجت من منزلى لقيت أحد ثلاثة: اما رجل أعلم منى بشىء فذلك يوم فائدتى، او مثلى فذلك يوم مذاكرتى، أو دونى فذلك يوم ثوابى.
وقال الخليل: أكثر من العلم لتفهم، واختر منه لتحفظ، وقال: أنا أول من سمى الاوعية ظروفا، وانما قيل للانسان ظرف وهو ظريف، لحفظه الادب وقال: أثقل ساعاتى على ساعة آكل فيها.
وأول من سمى بأحمد بعد النبى- صلّى الله عليه وسلم- والد الخليل.
وأول من سمى عبد الصمد مؤدب لآل مروان.
روى أن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان كان فى مكتب عبد الصمد، فساومه بشىء كرهه، فدخل سعيد- وهو غلام- على بعض خلفاء بنى مروان فشكاه اليه فقال:
إنّه والله لولا أنت لم ... ينج منّى سالما عبد الصّمد
انّه قد رام منّى حظّه ... لم يرمها قبله منّى أحد
فهو فيما رام منّى كالّذى ... يطلب الثّعلب فى حبس الاسد
فطرده الخليفة واختار لولده مؤدبا غيره.
حدثنا أبو احمد عن الصولى عن المبرد عن الحرمى قال: قال الخليل بن احمد: رتبت البيت من بيوت العرب- يريد الخباء- فسميت الاقواء ما جاء من المرفوع فى الشعر والمخفوض فى قافية واحدة نحو قول النابغة.
أمن آل ميّة رائح أو مغتدى «1»
..............
ثم قال:..........
وبذاك خبّرنى الغراب الاسود
قال: انما سميته أقواء لتخالفه، لان العرب تقول أقوى الفاتل اذا جاءت قوة من الحبل تخالف سائر القوى.
قال: وسميت تغير ما قبل حروف الروى سنادا من مساندة بيت الى بيت اذا كان كل واحد منهما ملقيا على صاحبه ليس مستويا، ومثل ذلك من الشعر:
عبد شمس أبى فان كنت غضبى ... فاملأى وجهك الجميل خدوشا
ثم قال..............
وبنا سمّيت قريش قريشا «2»
قال: وسميت الاكفاء ما اظطرب حرف رويه، فجاء مرة نونا ومرة ميما، والعرب تفعل ذلك لقرب مخرج الميم من النون مثل قوله:
بنات وطّاء على خدّ الظّلم ... لا يشتكين عملا ما أنقين
مأخوذ من قولهم: بيت مكفاء اذا اختلف شقاه، واللقاة الشقة فى مؤخر البيت، والايطاء من طرح بيت على بيت، وأصله طرح شىء فوق شىء، فكأنه أوطأه اياه، والايطاء رد القافية مرتين.
قال الحرمى: والاخفش يضع الاكفاء فى موضع السناد، والسناد فى موضع الاكفاء على هذا الاستشقاق قال الخليل: وسمى البيت الذى نصفه مثل آخره مصرع وشطره مصراع، كقول امرىء القيس.
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل
فكأنه باب على مصراعين قال ذو الرمة:
وشعر قد أرقت له ظريف ... أجنّبه المساند والمحالا
وقال جرير:
ولا الاقواء أو مرس القوافى ... بأفواه الرّواة ولا سنادا «1»














مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید