المنشورات
الهشامية:
أصحاب هشام1 بن عمرو الفوطي. ومبالغته في القدر أشد وأكثر من مبالغة أصحابه، وكان يمتنع من إطلاق إضافات أفعال إلى الباري تعالى وإن ورد بها التنزيل.
منها قوله: إن الله لا يؤلف بين قلوب المؤمنين، بل هم المؤتلفون باختيارهم. وقد ورد في التنزيل: {مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} 2.
ومنها قوله: إن الله لا يحبب الإيمان إلى المؤمنين، ولا يزينه في قلوبهم. وقد قال تعالى: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} 3 ومبالغتها في نفي إضافات الطبع والختم والسد وأمثالها أشد واصعب. وقد ورد بجميعها التنزيل، قال الله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} 4 وقال: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} 5 وقال: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} 6 وليت شعري! ما يعتقده الرجل؟ إنكار ألفاظ التنزيل وكونها وحيا من الله تعالى؟ فيكون تصريحا بالكفر. أو إنكار ظواهرها من نسبته إلى الباري تعالى ووجوب تأويلها؟ وذلك عين مذهب أصحابه.
ومن بدعه في الدلالة على الباري تعالى قوله إن الأعراض لا تدل على كونه خالقا، ولا تصلح الأعراض دلالات؛ بل الأجسام تدل على كونه خالقا، وهذا أيضا عجب.
ومن بدعه في الإمامة قوله إنها لا تنعقد في أيام الفتنة واختلاف الناس، وإنما يجوز عقدها في حال الاتفاق والسلامة. وكذلك أبو بكر الأصم من أصحابه كان يقول الإمامة لا تنعقد إلا بإجماع الأمة عن بكرة أبيهم، وإنما أراد بذلك الطعن في إمامة علي رضي الله عنه إذ كانت البيعة في أيام الفتنة من غير اتفاق من جميع الصحابة، إذ بقي في كل طرف طائفة على خلافه.
ومن بدعه أن الجنة والنار ليستا مخلوقتين الآن، إذ لا فائدة في وجودهما وهما جميعا خاليتان ممن ينتفع ويتضرر بهما. وبقيت هذه المسألة منه اعتقادا للمعتزلة. وكان يقول بالموافاة، وأن الإيمان هو الذي يوافي الموت. وقال: من أطاع الله جميع عمره، وقد علم الله أنه يأتي بما يحيط أعماله ولو بكبيرة لم يكن مستحقا للوعد، وكذلك على العكس. وصاحبه عباد1 من المعتزلة، وكان يمتنع من إطلاق القول بأن الله تعالى خلق الكافر، لأن الكافر كفر، وإنسان. والله تعالى لا يخلق الكفر. وقال النبوة جزاء على عمل، وإنها باقية ما بقيت الدنيا, وحكى الأشعري2 عن عباد أنه زعم أنه لا يقال:
إن الله تعالى لم يزل قائلا ولا غير قائل، ووافقه الإسكافي على ذلك، قالا: ولا يسمى متكلما.
وكان الفوطي يقول إن الأشياء قبل كونها معدومة؛ ليست أشياء، وهي بعد أن تعدم عن وجود تسمى أشياء، ولهذا المعنى كان يمنع القول بأن الله تعالى قد كان لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها، فإنها لا تسمى أشياء. قال: وكان يجوز القتل والغيلة على المخالفين لمذهبه، وأخذ أموالهم غصبا وسرقة لاعتقاده كفرهم، واستباحة دمائهم وأموالهم.
مصادر و المراجع :
١- الملل والنحل
المؤلف: أبو
الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)
الناشر: مؤسسة
الحلبي
15 يوليو 2024
تعليقات (0)