المنشورات

اليعقوبية:

أصحاب يعقوب: قالوا بالأقانيم الثلاثة كما ذكرنا، إلا أنهم قالوا: انقلبت الكلمة لحما ودما، فصار الإله هو المسيح. وهو الظاهر بجسده، بل هو هو.
وعنهم أخبرنا القرآن الكريم: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} 1.
فمنهم من قال: إن المسيح هو الله تعالى.
ومنهم من قال: ظهر اللاهوت بالناسوت، فصار ناسوت المسيح مظهر الجوهر، لا على طريق حلول جزء فيه، ولا على سبيل اتحاد الكلمة التي هي في حكم الصفة، بل صار هو هو، وهذا كما يقال: ظهر الملك بصورة إنسان، أو ظهر الشيطان بصورة حيوان، وكما أخبر التنزيل عن جبريل عليه السلام: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} 1.
وزعم أكثر اليعقوبية أن المسيح جوهر واحد. أقنوم واحد، إلا أنه من جوهرين، وربما قالوا طبيعة واحدة من طبيعتين، فجوهر الإله القديم، وجوهر الإنسان المحدث تركبا تركيبا كما تركبت النفس والبدن فصارا جوهرا واحدا، أقنوما واحدا، وهو إنسان كله وإله كله، فيقال: الإنسان صار إلها، ولا ينعكس فلا يقال: الإله صار إنسانا. كالفحمة تطرح في النار فيقال: صارت الفحمة نارا، ولا يقال: صارت النار فحمة، وهي في الحقيقة لا نار مطلقة، ولا فحمة مطلقة، بل هي جمرة. وزعموا أن الكلمة اتحدت بالإنسان الجزئي لا الكلي. وربما عبروا عن الاتحاد بالامتزاج، والادراع2، والحلول كحلول صورة الإنسان في المرآة المجلوة.
وأجمع أصحاب التثليث كلهم على أن القديم لا يجوز أن يتحد بالمحدث، إلا أن الأقنوم الثاني الذي هو الكلمة اتحدت دون سائر الأقانيم.
وأجمعوا كلهم على أن المسيح عليه السلام ولد من مريم عليها السلام، وقتل وصلب.
ثم اختلفوا في كيفية ذلك، فقالت الملكانية واليعقوبية: إن الذي ولد من مريم هو الإله: فالملكانية لما اعتقدت أن المسيح ناسوت كلي أزلي، قالوا: إن مريم إنسان جزئي، والجزئي لا يلد الكلي، وإنما ولده الأقنوم القديم، واليعقوبية لما اعتقدت أن المسيح هو جوهر من جوهرين، وهو إله، وهو المولود، قالوا: إن مريم ولدت إلها، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
وكذلك قالوا في القتل والصلب: إنه وقع على الجوهر الذي هو من جوهرين، قالوا: ولو وقع على أحدهما لبطل الاتحاد.
وزعم بعضهم: أنا نثبت وجهين للجوهر القديم: فالمسيح قديم من وجه، محدث من وجه.
وزعم قوم من اليعقوبية أن الكلمة لم تأخذ من مريم شيئا، لكنها مرت بها كالماء بالميزاب1، وما ظهر بها من شخص المسيح في الأعين، فهو كالخيال، والصورة في المرآة، وإلا فما كان جسما متجسما كثيفا في الحقيقة. وكذلك القتل والصلب إنما وقع على الخيال والحسبان، وهؤلاء يقال لهم: الإليانية. وهم قوم بالشام، واليمن، وأرمينية، قالوا: وإنما صلب الإله من أجلنا، حتى يخلصنا. وزعم بعضهم أن الكلمة كانت تداخل جسم المسيح عليه السلام أحيانا، فتصدر عنه الآيات: من إحياء الموتى، وإبراء الأكمة والأبرص، وتفارقه في بعض الأوقات، فترد عليه الآلام والأوجاع.
ومنهم بليارس وأصحابه، حكى عنه أنه كان يقول: إذا صار الناس إلى الملكوت الأعلى: أكلوا ألف سنة، وشربوا، وناكحوا، ثم صاروا إلى النعم التي وعدهم آريوس؛ وكلها لذة، وراحة، وسرور، وحبور، لا أكل فيها ولا شرب، ولا نكاح.
وزعم مقدانيوس أن الجوهر القديم أقنومان فحسب: آب، وابن، والروح.
وزعم سباليوس أن القديم جوهر واحد، أقنوم واحد، له ثلاث خواص، واتحد بكليته بجسد عيسى ابن مريم عليهما السلام.
وزعم آريوس: أن الله واحد، سماه أبا. وأن المسيح كلمة الله وابنه على طريق الاصطفاء، وهو مخلوق قبل خلق العالم، وهو خالق الأشياء. وزعم: أن لله تعالى روحا مخلوقة أكبر من سائر الأرواح، وأنها واسطة بين الآب والابن، تؤدي إليه الوحي. وزعم أن المسيح ابتدأ جوهرا، لطيفا، روحانيا، خالصا، غير مركب، ولا ممزوج بشيء من الطبائع الأربع، وإنما تدرع بالطبائع الأربع عند الاتحاد بالجسم المأخوذ من مريم.
وهذا آريوس قبل الفرق الثلاث، فتبرءوا منه لمخالفتهم إياه في المذهب.














مصادر و المراجع :      

١- الملل والنحل

المؤلف: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)

الناشر: مؤسسة الحلبي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید