المنشورات

المانوية:

أصحاب ماني بن فاتك الحكيم، الذي ظهر في زمان سابور بن أردشير، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور, وذلك بعد عيسى ابن مريم عليه السلام. أحدث دينا بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوة المسيح عليه السلام. ولا يقول بنبوة موسى عليه السلام.
حكى محمد بن هارون المعروف بأبي عيسى الوراق, وكان في الأصل مجوسيا عارفا بمذاهب القوم: أن الحكيم ماني زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين: أحدهما نور، والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا، ولن يزالا، وأنكر وجود شيء إلا من أصل قديم، وزعم أنهما لم يزالا قويين حساسين، داركين، سميعين بصيرين، وهما مع ذلك في النفس, والصورة والفعل، والتدبير متضادان. وفي الحيز متحاذيان, تحاذي الشخص والظل.
وإنما تتبين جواهرهما، وأفعالهما في هذا الجدول:
ثم اختلفت المانوية في المزاج وسببه، والخلاص وسببه. قال بعضهم: إن النور والظلام امتزجا بالخبط والإتفاق، لا بالقصد والإختيار. وقال أكثرهم: إن سبب المزاج أن أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاغل، فنظرت الروح فرأت النور، فبعثت الأبدان على ممازجة النور، فأجابتها لإسراعها إلى الشر فلما رأى ذلك ملك النور، وجه إليها ملكا من ملائكته في خمسة أجناس من أجناسها الخمسة، فاختلطت الخمسة النورية بالخمسة الظلامية فخالط الدخان النسيم، وإنما الحياة والروح في هذا العالم من النسيم، والهلاك والآفات من الدخان، وخالط الحريق النار، والنور الظلمة، والسموم الريح، والضباب الماء. فما في العالم من منفعة، وخير، وبركة، فمن أجناس النور، ومافيه من مضرة، وشر، وفساد، فمن أجناس الظلمة.
فلما رأى ملك النور هذا الإمتزاج أمر ملكا من ملائكته، فخلق هذا العالم على هذه الهيئة، لتخلص أجناس النور من أجناس الظلمة. وإنما سارت الشمس والقمر وسائر النجوم والكواكب، لاستصفاء أجزاء النور من أجزاء الظلمة فالشمس تستصفي النور الذي امتزج بشياطين الحر، والقمر يستصفي النور الذي امتزج بشياطين البرد، والنسيم الذي في الأرض لا يزال يرتفع لأن من شأنه الارتفاع إلى عالمها، وكذلك جميع أجزاء النور أبدا في الصعود والارتفاع. وأجزاء الظلمة أبدا في النزول والتسفل حتى تتخلص الأجزاء من الأجزاء، ويبطل الامتزاج، وتنحل التراكيب، ويصل كل إلى كله وعالمه، وذلك هو القيامة والمعاد.
قال: ومما يعين في التخليص، والتمييز، ورفع أجزاء النور: التسبيح، والتقديس، والكلام الطيب، وأعمال البر، فترتفع بذلك الأجزاء النورية في عمود الصبح إلى فلك القمر، ولا يزال القمر يقبل ذلك من أول الشهر إلى نصفه، فيمتلىء، فيصير بدرا، ثم يؤدي إلى الشمس إلى آخر الشهر، وتدفع الشمس إلى نور فوقها, فيسري ذلك في العالم إلى أن يصل إلى النور الأعلى الخالص. ولا يزال يفعل ذلك، حتى لا يبقي من أجزاء النور شيء في هذا العالم إلا قدر يسير منعقد، لاتقدر الشمس والقمر على استصفائه، فعند ذلك يرتفع الملك الذي يحمل الأرض، ويدع الملك الذي يجذب السماوات، فيسقط الأعلى على الأسفل. ثم توقد نار حتى يضطرم الأعلى والأسفل، ولا تزال تضطرم حتى يتحلل ما فيها من النور، وتكون مدة الاضطرام ألفا وأربعمائة وثمانيا وستين سنة.
وذكر الحكيم ماني في باب الألف من الجبلة الأولى، وفي أول الشابرقان: أن ملك عالم النور في كل أرضه لا يخلو منه شيء، وأنه ظاهر باطن، وأنه لا نهاية له إلا من حيث تناهى أرضه إلى أرض عدوه.
وقال أيضا: إن ملك عالم النور في سرة أرضه. وذكر أن المزاج القديم هو امتزاج الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، والمزاج المحدث هو: الخير، والشر.
وقد فرض ماني على أصحابه العشر في الأموال كلها. والصلوات الأربع في اليوم والليلة، والدعاء إلى الحق. وترك الكذب، والقتل، والسرقة، والزنا، والبخل، والسحر، وعبادة الأوثان، وأن يأتي على ذي روح ما يكره أن يؤتى إليه بمثله.
واعتقاده في الشرائع والأنبياء أن أول من بعث الله تعالى بالعلم، والحكمة. آدم أبو البشر. ثم بعث شيئا بعده، ثم نوحا بعده، ثم إبراهيم بعده عليهم الصلاة والسلام ثم بعث بالبددة إلى أرض الهند، وزردشت إلى أرض فارس، والمسيح كلمة الله وروحه إلى أرض الروم والمغرب، وبولس بعد المسيح إليهم. ثم يأتي خاتم النبيين إلى أرض العرب.
وزعم أبو سعيد المانوي، رئيس من رؤسائهم أن الذي مضى من المراج إلى الوقت الذي هو فيه وهو سنة إحدى وسبعين ومائتين من الهجرة: أحد عشر ألفا وسبعمائة سنة، وأن الذي بقي إلى وقت الخلاص: ثلاثمائة سنة.
وعلى مذهبه مدة المزاج اثنا عشر الف سنة، فيكون قد بقي من المدة خمسون سنة في زماننا هذا وهو إحدى وعشرون وخمسمائة هجرية.
فنحن في آخر المزاج وبدء الخلاص. فإلى الخلاص الكلي، وانحلال التراكيب خمسون سنة!














مصادر و المراجع :      

١- الملل والنحل

المؤلف: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)

الناشر: مؤسسة الحلبي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید