المنشورات
الكينوية، والصيامية، والتناسخية منهم:
حكى جماعة من المتكلمين أن الكينوية زعموا أن الأصول ثلاثة: النار، والأرض، والماء. وإنما حدثت الموجودات من هذه الأصول دون الأصلين، الذين أثبتهما الثنوية.
قالوا: والنار بطبعها خيرة، نورانية، والماء ضدها في الطبع، فما كان من خير في هذا العالم فمن النار، وما كان من شر فمن الماء، والأرض متوسطة.
وهؤلاء يتعصبون للنار شديدا، من حيث أنها علوية، نورانية، لطيفة, لا وجود إلا بها، ولا بقاء إلا بإمدادها. والماء يخالفها في الطبع، فيخالفها في الفعل، والأرض متوسطة بينهما. فتركيب العالم من هذه الأصول.
والصيامية منهم أمسكوا عن طيبات الرزق، وتجردوا لعبادة الله، وتوجهوا في عباداتهم إلى النيران تعظيما لها، وأمسكوا أيضا عن النكاح والذبائح.
والتناسخية منهم: قالوا بتناسخ الأرواح في الأجساد، والانتقال من شخص إلى شخص، وما يلقي الإنسان من الراحة، والتعب، والدعة، والنصب, فمرتب على ما أسلفه من قبل وهو في بدن آخر، جزاء على ذلك. والإنسان أبدا في أحد أمرين: إما في فعل، وإما في جزاء. وما هو فيه فإما مكافأة على عمل قدمه، وإما عمل ينتظر المكافأة عليه. والجنة والنار في هذه الأبدان، وأعلى عليين درجة النبوة، وأسفل السافلين: دركة الحية، فلا وجود أعلى من درجة الرسالة، ولا وجود أسفل من دركة الحية.
ومنهم من يقول الدرجة الأعلى درجة الملائكة، والأسفل دركة الشياطين. ويخالفون بهذا المذهب سائر الثنوية، فإنهم يعنون بأيام الخلاص, رجوع أجزاء النور إلى عالمه الشريف الحميد، وبقاء أجزاء الظلام في عالمه الخسيس الذميم.
وأما بيوت النيران للمجوس:
فأول بيت بناه أفريدون: بيت نار بطوس، وآخر بمدينة بخارى، هو بردسون, واتخذ بهمن بيتا بسجستان، يدعى كركو. ولهم بيت نار آخر في نواحي بخارى، يدعى قباذان، وبيت نار يسمى كويسة، بين فارس وأصبهان، بناه كيخسرو. وآخر بقومس، يسمى جرير. وبيت نار يسمى كنكدز، بناه سياوش في مشرق الصين. وآخر بأرجان من فارس واتخذه أرجان جد كشتاسب وهذه البيوت كات قبل زردشت.
ثم جدد زردشت بيت نار بنيسابور، وآخر بنسا. ومر كشتاسب أن يطلب نارا كان يعظمها جم، فوجدها بمدينة خوارزم، فنقلها إلى داا بجرد, وتسمى أذرخر, هو المجوس يعظمونها أكثر من غيرها. وكيخسرو لما خرج إلى غزو أفراسياب عظمها، وسجد لها. ويقال إن انوشروان هو الذي نقلها إلى كاريان فتركوا بعضها, وحملوا بعضها إلى نسا.
وفي بلاد الروم على أبواب قسطنطينية بيت نار اتخذه سابور بن أردشير، فلم يزل كذلك إلى أيام المهدي، وبيت نار بإستينيا، على قرب مدينة السلام لبوران بنت كسرى.
وكذلك بالهند والصين بيوت نيران.
وأما اليونانيون فكان لهم ثلاثة أبيات ليست فيها نار، وقد ذكرناها.
والمجوس إنما يعظمون النار لمعان فيها، منها أنها جوهر شريف علوي، ومنها أنها ما أحرقت الخليل إبراهيم عليه السلام، ومنها ظنهم أن التعظيم لها ينجيهم في المعاد من عذاب النار.
وبالجملة، هي قبلة لهم, ووسيلة، وإشارة. والله أعلم.
مصادر و المراجع :
١- الملل والنحل
المؤلف: أبو
الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)
الناشر: مؤسسة
الحلبي
15 يوليو 2024
تعليقات (0)