المنشورات
أهل الأهواء والنحل
من الصابئة، والفلاسفة، وآراء العرب في الجاهلية، وآراء الهند. وهؤلاء يقابلون أرباب الديانات تقابل التضاد، كما ذكرنا. واعتمادهم على الفطرة السليمة، والعقل الكامل، والذهن الصافي.
فمن معطل بطال، لا يرد عليه فكره براد، ولا يهديه عقله ونظره إلى اعتقاد، ولا يرشده فكره وذهنه إلى معاد، قد ألف المحسوس وركن إليه, وظن أنه لا عالم سوى ما هو فيه من مطعم شهي, ومنظر بهي، ولا عالم وراء هذا المحسوس. وهؤلاء هم الطبيعيون الدهريون, لا يثبتون معقولا.
ومن محصل نوع تحصيل، قد ترقى عن المحسوس، وأثبت المعقول، لكنه لا يقول بحدود، وأحكام، وشريعة، وإسلام، ويظن أنه إذا حصل المعقول، وأثبت للعالم مبدأ ومعادا وصل إلى الكمال المطلوب من جنسه، فتكون سعادته على قدر إحاطته وعلمه، وشقاوته بقدر سفاهته وجهله. وعقله هو المستبد بتحصيل هذه السعادة، ووضعه هو المستعد لقبول تلك الشقاوة. وهؤلاء هم الفلاسفة الإلهيون.
قالوا: الشرائع وأصحابها: أمور مصلحية عامية، والحدود, والأحكام, والحلال, والحرام: أمور وضعية، وأصحاب الشرائع رجال لهم حكم عملية، وربما يؤيدون من عند واهب الصور بإثبات أحكام، ووضع حلال وحرام: مصلحة للعباد، وعمارة للبلاد، وما يخبرون عنه من الأمور الكائنة في حال من أحوال عالم الروحانيين من الملائكة والعرش والكرسي, واللوح, والقلم, فإنما هي أمور معقولة لهم، قد عبروا عنها بصورة خيالية جسمانية، وكذلك ما يخبرون به من أحوال المعاد من الجنة والنار، مثل قصور، وأنهار، وطور، وثمار في الجنة، فترغيبات للعوام بما يميل إليه طباعهم، وسلاسل وأغلال، وخزي ونكال في النار فترهيبات للعوام، بما ينزجر عنه طباعهم، وإلا ففي العالم العلوي لا يتصور أشكال جسمانية، وصور جرمانية.
وهذا أحسن ما يعتقدونه في الأنبياء عليهم السلام، لست أعني بهم الذين أخذوا علومهم من مشكاة النبوة، وغنما أعني بهؤلاء الذين كانوا في الزمن الأول دهرية، وحشيشية، وطبيعية، وإلهية، قد اغتروا بحكمهم واستقلوا بأهوائهم وبدعهم.
ثم يتلوهم، ويقرب منهم قوم يقولون بحدود وأحكام عقلية، وربما أخذوا أصولها وقوانينها من مؤيد بالوحي، إلا انهم اقتصروا على الأول منهم، وما نفذوا إلى الآخر وهؤلاء هم الصابئة الأولى، الذين قالوا بعاذيمون وهرمس، وهما: شيث وإدريس1 عليهما السلام، ولم يقولوا بغيرهما من الأنبياء عليهم السلام.
والتقسيم الضابط أن نقول:
"1" من الناس من لا يقول بمحسوس ولا معقول، وهم السوفسطائية.
"2" ومنهم من يقول بالمحسوس، ولا يقول بالمعقول، وهم الطبيعية.
"3" ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول، ولا يقول بحدود وأحكام، وهم الفلاسفة الدهرية.
"4" ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول والحدود والأحكام. ولا يقول بالشريعة والإسلام، وهم الصابئة.
"5" ومنهم من يقول بهذه كلها وبشريعة ما وإسلام، ولا يقول بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وهم: المجوس، واليهود والنصارى.
"6" ومنهم من يقول بهذه كلها، وهم المسلمون.
ونحن قد فرغنا عمن يقول بالشرائع والأديان، فنتكلم الآن فيمن لا يقول بها ويستبد برأيه وهواه، في مقابلتهم.
مصادر و المراجع :
١- الملل والنحل
المؤلف: أبو
الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)
الناشر: مؤسسة
الحلبي
15 يوليو 2024
تعليقات (0)