المنشورات
الحرنانية
وهم جماعة من الصابئة:
1- مقالات الحرنانية:
قالوا: إن الصانع المعبود واحد وكثير. أما واحد، ففي الذات، والأول، والأصل، والأزل. وأما كثير، فلأنه يتكثر بالأشخاص في رأي العين، وهي المدبرات السبعة والأشخاص الأرضية الخيرة، العاملة، الفاضلة. فإنه يظهر بها، ويتشخص بأشخاصها، ولا تبطل وحدته في ذاته.
وقالوا: هو أبدع الفلك وجميع ما فيه من الأجرام والكواكب، وجعلها مدبرات هذا العالم، وهم الآباء والعناصر أمهات، والمركبات مواليد. والآباء أحياء ناطقون،يؤدون الآثار إلى العناصر فتقبلها العناصر في أرحامها، فيحصل من ذلك المواليد. ثم من المواليد قد يتفق شخص مركب من صفوها دون كدرها ويحصل له مزاج كامل الاستعداد، فيتشخص الإله به في العالم.
ثم أن طبيعة الكل تحدث في كل إقليم من الأقاليم المسكونة على رأس كل سنة وثلاثين ألف سنة وأربعمائة وخمس وعشرين سنة: زوجين من كل نوع من أجناس الحيوانات، ذكرا أو أنثى، من الإنسان وغيره، فيبقى ذلك النوع تلك المدة. ثم إذا انقضى الدور بتمامه انقطعت الأنواع: نسلها، وتوالدها، فيبتدأ دور آخر، ويحدث قرن آخر من الإنسان، والحيوان، والنبات وكذلك أبد الدهر. قالوا: وهذه هي القيامة الموعودة على لسان الأنبياء عليهم السلام، وإلا فلا دار سوى هذه الدار {مَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} 1. ولا يتصور إحياء الموتى، وبعث من في القبور: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} 2.
وهم الذين أخبر التنزيل عنهم بهذه المقالة.
2- نشأة التناسخ والحلول منهم:
وإنما نشأ أصل التناسخ والحلول من هؤلاء القوم.
فإن التناسخ هو أن تتكرر الأكوار والأدوار إلى ما لا نهاية له، ويحدث في كل دور مثل ما حدث في الأول. والثواب والعقاب في هذه الدار، لا في دار أخرى لا عمل فيها.
والأعمال التي نحن فيها إنما هي أجزية على أعمال سلفت منا في الأدوار الماضية. فالراحة، والسرور، والفرح، والدعة التي نجدها هي مرتبة على أعمال البر التي سلفت منا في الأدوار الماضية، والغم والحزن، والضنك، والكلفة التي نجدها هي مرتبة على أعمال الفجور التي سبقت منا.
وكذلك كان في الأول. وكذا يكون في الآخر. والانصرام من كل وجه غير متصور من الحكيم.
وأما الحلول فهو التشخص الذي ذكرناه، وربما يكون ذلك بحلول ذاته، وربما يكون بحلول جزء من ذاته، على قدر استعداد مزاج الشخص.
وربما قالوا إنما تشخص بالهياكل السماوية كلها، وهو واحد، وإنما يظهر فعله في واحد واحد بقدر آثاره فيه، وتشخصه به.
فكأن الهياكل السبعة أعضاؤه السبعة. وكأن أعضاءنا السبعة هياكله السبعة فيها يظهر، فينطق بلساننا، ويبصر بأعيننا، ويسمع بآذاننا، ويقبض ويبسط بأيدينا، ويجيء ويذهب بأرجلنا، ويفعل بجوارحنا.
3- مزاعم الحرنانية:
وزعموا أن الله تعالى أجل من أن يخلق الشرور، والقبائح، والأقذار، والخنافس، والحيات، والعقارب. بل هي كلها واقعة ضرورة عن اتصالات الكواكب سعادة، ونحوسة، واجتماعات العناصر صفوة، وكدورة.. فما كان من سعد، وخير وصفو، فهو المقصود من الفطرة، فينسب إلى الباري تعالى. وما كان من نحوسة، وشر، وكدر، فهو الواقع ضرورة، فلا ينسب إليه، بل هي إما اتفاقيات، وضروريات، وإما مستندة إلى أصل الشرور، والاتصال المذموم.
والحرانية ينسبون مقالتهم إلى عاذيمون، وهرمس، وأعيانا، وأواذى أربعة من الأنبياء.
ومنهم من ينتسب إلى سولون جد أفلاطون لأمه، ويزعم أنه كان نبيا. وزعموا أن أواذى حرم عليهم البصل، والكراث، والباقلا1.
والصابئون كلهم يصلون ثلاث صلوات، ويغتسلون من الجنابة ومن مس الميت، وحرموا أكل الجزور، والخنزير، والكلب، ومن الطير كل ما له مخلب، والحمام.
ونهوا عن السكر في الشراب، وعن الاختتان. وأمروا بالتزويج بولي وشهود، ولا يجوزون الطلاق إلا بحكم حاكم، ولا يجمعون بين إمرأتين.
وأما الهياكل التي بناها الصابئة على أسماء الجواهر العقلية الروحانية، وأشكال الكواكب السماوية.
فمنها: هيكل العلة الأولى، ودونها هيكل العقل، وهيكل السياسة، وهيكل الصورة، وهيكل النفس. مدورات الشكل.
وهيكل زحل مسدس، وهيكل المشتري مثلث، وهيكل المريخ مربع مستطيل، وهيكل الشمس مربع، وهيكل الزهرة مثلث في جوف مربع، وهيكل عطارد مثلث في جوفه مربع مستطيل، وهيكل القمر مثمن.
مصادر و المراجع :
١- الملل والنحل
المؤلف: أبو
الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)
الناشر: مؤسسة
الحلبي
15 يوليو 2024
تعليقات (0)