المنشورات

الفلاسفة

الفلسفة باليونانية: محبة الحكمة، والفيلسوف هو: فيلا وسوفا، وفيلا هو المحب، وسوفا: الحكمة، أي هو محب الحكمة.
والحكمة قولية، وفعلية:
أما الحكمة القولية، وهي العقلية أيضا، فهي كل ما يعقله العاقل بالحد، وما يجري مجراه، مثل الرسم وبالبرهان، وما يجري مجراه، مثل الاستقراء فيعبر عنه بهما.
وأما الحكمة الفعلية فكل ما يفعله الحكيم لغاية كمالية.
فالأول الأزلي لما كان هو الغاية، والكمال، فلا يفعل فعلا لغاية دون ذاته وإلا فيكون الغاية والكمال هو الحامل، والأول محمول، وذلك محال.
فالحكمة في فعله وقعت تبعا لكمال ذاته، وذلك هو الكمال المطلق في الحكمة، وفي فعل غيره من المتوسطات وقعت مقصودا للكمال المطلوب، وكذلك في أفعالنا.
ثم إن الفلاسفة اختلفوا في الحكمة القولية العقلية اختلافا لا يحصى كثرة، والمتأخرون منهم خالفوا الأوائل في أكثر المسائل. وكانت مسائل الأولين محصورة في الطبيعيات، والإلهيات، وذلك هو الكلام في الباري تعالى والعالم، ثم زادوا فيها الرياضيات.
وقالوا: العلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: علم ماهية، وعلم كيف، وعلم كم. فالعلم الذي يطلب فيه ماهيات الأشياء هو العلم الإلهي، والعلم الذي يطلب فيه كيفيات الأشياء هو العلم الطبيعي، والعلم الذي يطلب فيه كميات الأشياء هو العلم الرياضي، سواء كانت الكميات مجردة عن المادة، أو كانت مخالطة بعد. فأحدث بعدهم أرسطوطاليس الحكيم علم المنطق، وسماه تعليمات، وإنما هو جرده من كلام القدماء، وإلا فلم تخل الحكمة عن قوانين المنطق قط. وربما عدها آلهة العلوم، لا من جملة العلوم، فقال:
الموضوع في العلم الإلهي: هو الوجود المطلق. ومسائله: البحث عن أحوال الوجود من حيث هو وجود.
والموضوع في العلم الطبيعي: هو الجسم، ومسائله: البحث عن أحوال الجسم من حيث هو جسم.
والموضوع في العلم الرياضي، هو الأبعاد والمقادير، وبالجملة: الكمية من حيث إنها مجردة عن المادة، ومسائله: البحث عن أحوال الكمية من حيث هي كمية.
والموضوع في العلم المنطقي: هو المعاني التي في ذهن الإنسان من حيث يتأدى بها إلى غيرها من العلوم، ومسائله: البحث عن أحوال تلك المعاني من حيث هي كذلك.
قالت الفلاسفة: ولما كانت السعادة هي المطلوبة لذاتها، وإنما يكدح الإنسان لنيلها، والوصول إليها، وهي لا تنال بالحكمة، فالحكمة تطلب إما ليعمل بها، وإما لتعلم فقط، فانقسمت الحكمة إلى قسمين عملي، وعلمي.
ثم منهم من قدم العملي على العلمي، ومنهم من أخر، كما سيأتي. فالقسم العملي هو عمل الخير، والقسم العلمي هو علم الحق. قالوا: وهذان القسمان مما يوصل إليه بالعقل الكامل، والرأي الراجح، غير أن الاستعانة في القسم العملي منه بغيره أكثر. والأنبياء عليهم السلام أيدوا بإمداد روحانية تقريرا للقسم العملي، ولطرف ما من القسم العلمي والحكماء تعرضوا لأمداد عقلية تقريرا للقسم العلمي، ولطرف ما من القسم العملي. فغاية الحكيم هو أن يتجلى لعقله كل الكون، ويتشبه بالإله الحق تعالى وتقدس بغاية الإمكان. وغاية النبي أن يتجلى له نظام الكون، فيقدر على ذلك مصالح العامة حتى يبقى نظام العالم، وتنتظم مصالح العباد، وذلك لا يتأتى إلا بترغيب وترهيب، وتشكيل، وتخييل. 
فكل ما ورد به أصحاب الشرائع والملل مقدر على ما ذكرناه عند الفلاسفة، إلا من أخذ علمه من مشكاة النبوة، فإنه ربما بلغ إلى حد التعظيم لهم، وحسن الاعتقاد في كمال درجتهم.
فمن الفلاسفة:
حكماء الهند من البراهمة لا يقولون بالنبوات أصلا:
ومنهم: حكماء العرب، وهم شرذمة قليلون، لأن أكثر حكمهم فلتات الطبع، وخطرات الفكر، وربما قالوا بالنبوات.
ومنهم: حكماء الروم، وهم منقسمون إلى القدماء، الذين هم أساطين الحكمة، وإلى المتأخرين وهم المشاءون، وأصحاب الرواق، وأصحاب أرسطوطاليس، وإلى فلاسفة الإسلام، الذين هم حكماء العجم، وإلا فلم ينقل عن العجم قبل الإسلام مقالة في الفلسفة، إذ حكمهم كلها كانت متلقاة من النبوات إما من الملة القديمة، وإما من سائر الملل.
غير أن الصابئة كانوا يخلطون الحكمة بالصبوة:
فنحن نذكر مذاهب الحكماء القدماء من الروم، واليونانيين، على الترتيب الذي نقل في كتبهم، ونعقب ذلك بذكر سائر الحكماء إن شاء الله تعالى.
فإن الأصل في الفلسفة والمبدأ في الحكمة للروم، وغيرهم كالعيال لهم.

















مصادر و المراجع :      

١- الملل والنحل

المؤلف: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)

الناشر: مؤسسة الحلبي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید