المنشورات

رأي أنكسيمانس

وهو من الملطيين المعروف بالحكمة، المذكور بالخير عندهم. قال: إن الباري تعالى أزلي لا أول له ولا آخر.
هو مبدأ الأشياء ولا بدء له. هو المدرك من خلقه أنه هو فقط، وأنه لا هوية تشبهه، وكل هوية فمبدعة منه, هو الواحد ليس كواحد الأعداد، لأن واحد الأعداد يتكثر، وهو لا يتكثر. وكل مبدع ظهرت صورته في حد الإبداع فقد كانت صورته في علمه الأول، والصور عنده بلا نهاية.
قال: ولا يجوز في الباري تعالى إلا أحد قولين: إما أن نقول إنه أبدع ما في علمه، وإما أن نقول إنما أبدع أشياء لا يعلمها، وهذا من قول المستشنع. وإن قلنا أبدع ما في علمه فالصور أزلية بأزليته، وليس تتكثر ذاته بتكثر المعلومات، ولا تتغير بتغيرها. قال: أبدع بوحدانيته صورة العنصر، ثم صورة العقل انبعثت عنها ببدعة الباري تعالى. فرتب العنصر في العقل ألوان الصور على قدر ما فيها من طبقات الأنوار وأصناف الآثار، وصارت تلك الطبقات صورا كثيرة دفعة واحدة، كما تحدث الصور في المرآة الصقيلة بلا زمان, ولا ترتيب بعض على بعض، غير أن الهيولى لا تحتمل القبول دفعة واحدة إلا بترتيب وزمان، فحدثت تلك الصور فيها على الترتيب. ولم يزل الأمر كذلك في العالم بعد العالم على قدر طبقات تلك العوالم، حتى قلت أنوار الصور في الهيولى، وقلت الهيولى، وصارت منها هذه الصورة الرذلة الكثيفة، التي لم تقبل نفسا روحانية، ولا نفسا حيوانية، ولا نباتية.
وكل ما هو على قبول حياة وحس فهو يعد في آثار تلك الأنوار.
وكان يقول: إن هذا العالم، يدثر، ويدخله الفساد والعدم، من أجل أنه سفل تلك العوالم وثفلها، ونسبتها إليه نسبة اللب إلى القشر، والقشر يرمى. قال: وإنما ثبات هذا العالم بقدر ما فيه من قليل نور ذلك العالم، وإلا لما ثبت طرفة عين، ويبقي ثباته إلى أن يصفي العقل جزءه الممتزج به، وإلى أن تصفي النفس جزءها المختلط فيه. فإذا صفي الجزآن عنه دثرت أجزاء هذا العالم. فسدت وبقيت مظلمة قد عدمت ذلك القليل من النور فيها، وبقيت الأنفس الدنسة الخبيثة في هذه الظلمة بلا نور ولا سرور، ولا روح ولا راحة، ولا سكون ولا سلوة.
ونقل عنه أيضا أن أول الأوائل من المبدعات هو الهواء، ومنه تكون جميع ما تكون في العالم من الأجرام العلوية والسفلية.
قال: ما كون من صفو الهواء المحض لطيف روحاني لا يدثر ولا يدخل عليه الفساد, ولا يقبل الدنس والخبث، وما كون من كدر الهواء كثيف جسماني يدثر ويدخله الفساد ويقبل الدنس والخبث. فما فوق الهواء من العوالم فهو من صفوه، وذلك عالم الروحانيات، وما دون الهواء من العوالم فهو من كدره، وذلك من عالم الجسمانيات، وهو كثير الأوساخ والأوضار، يتشبث به من سكن إليه فيمنعه من أن يرتفع علوا، ويتخلص منه من لم يسكن إليه, فيصعد إلى عالم كثير اللطافة، دائم السرور. ولعله جعل الهواء أول الأوائل لموجودات العالم الجسماني، كما جعل العنصر أول الأوائل لموجودات العالم الروحاني.
وهو على مثال مذهب تاليس إذ أثبت العنصر والماء في مقابلته. وهو قد أثبت العنصر والهواء في مقابلته، ونزل العنصر منزلة القلم الأول، والعقل منزلة اللوح القابل لنقش الصور، ورتب الموجودات على ذلك الترتيب. وهو أيضا من مشكاة النبوة اقتبس، وبعبارات القوم التبس.













مصادر و المراجع :      

١- الملل والنحل

المؤلف: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)

الناشر: مؤسسة الحلبي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید