المنشورات

حكم بقراط:

بقراط واضع الطب الذي قال بفضله الأوائل والأواخر. وكان أكثر حكمته في الطب وشهرته به، فبلغ خبره إلى بهن بن اسفنديار بن كشتاسب، فكتب إلى فيلاطس ملك قوه وهو بلد من بلاد اليونانيين يأمر بتوجيه بقراط إليه، وأمر له بقناطير من الذهب، فأبى ذلك، وتأبى عن الخروج إليه ضنا بوطنه وقومه, وكان لا يأخذ على المعالجة أجرة من الفقراء وأوساط الناس، وقد شرط أن يأخذ من الاغنياء أحد ثلاثة أشياء: طوقا. أوإكليلا، أو سوارا من ذهب.
فمن حكمه إن قال: استهينوا بالموت، فإن مرارته في خوفه.
بقراط إلى الملك وقال له: ابن الملك قد عشق من الوصول إليها صعب. قال الملك: ومن ذاك؟ قال هو يحب حليلتي، قال: انزل عنها ولك عنها بدل، فتحازن بقراط ووجم وقال: هل رأيت أحدا كلف أحدا طلاق امرأته، ولا سيما الملك في عدله ونصفته يأمرني بمفارقة حليلتي، ومفارقتها مفارقة روحي؟ قال الملك: إني أوثر ولدي عليك، وأعوضك من هو احسن منها، فامتنع، حتى بلغ الأمر إلى التهديد بالسيف، قال بقراط: إن الملك لا يسمى عدلا حتى ينتصف من نفسه ما ينتصف من غيره، أرأيت لو كانت العشيقة حظية الملك؟ قال: يا بقراط! عقلك أتم من معرفتك! ونزل عنها لابنه، وبرئ الفتى من مرضه ذلك.
وقال بقراط: إياك أن تأكل إلا ما تستمرئ، وأما مالا تستمرئ فإنه يأكلك.
وقيل لبقراط: لم يثقل الميت؟ قال: لأنه كان اثنين: أحدهما خفيف رافع، والآخر ثقيل واضع، فلما انصرف أحدهما وهو الخفيف الرافع، ثقل الثقيل الواضع.
وقال: الجسد يعالج جملة على خمسة أضرب: ما في الرأس بالغرغرة، وما في المعدة بالقيء، وما في البدن بإسهال البطن، وما بين الجلدين بالعرق، وما في العمق وداخل العروق بإرسال الدم.
وقال: الصفراء بيتها المرارة وسلطانها في الكبد، والبلغم بيته المعدة وسلطانه في الصدر، والسوداء بيتها الطحال، وسلطانها في القلب، والدم بيته القلب وسلطانه في الرأس.
وقال لتلميذ له: ليكن أفضل وسيلتك إلى الناس محبتك لهم، والتفقد لأمورهم، ومعرفة حالهم، واصطناع المعروف إليهم.
ويحكى عن بقراط قوله المعروف: العمر قصير، والصناعة طويلة، والوقت ضيق، والزمان جديد، والتجربة خطر، والقضاء عسر.
وقال لتلاميذه: اقسموا الليل والنهار ثلاثة أقسام: فاطلبوا في القسم الأول العقل الفاضل واعملوا في القسم الثاني بما أحرزتم من ذلك العقل، ثم عاملوا في القسم الثالث من لا عقل له، وانهزموا من الشر ما استطعتم.
وكان له ابن لا يقبل الأدب، فقالت له امرأته: إن ابنك هو منك فأدبه، فقال لها: هو مني طبعا، ومن غيري نفسا، فما أصنع به؟
وقال: ما كان كثيرا فهو مضاد للطبيعة، فلتكن الأطعمة، والأشربة، والنوم، والجماع، والتعب قصدا.
وقال: إن صحة البدن إذا كانت في الغاية كان أشد خطرا.
وقال: إن الطب هو حفظ الصحة بما يوافق الأصحاء، ودفع المرض بما يضاده.
وقال: من سقى السم من الأطباء، وألقى الجنين، ومنع الحمل، واجترأ على المريض فليس من شيعتي، وله أيمان معروفة على هذه الشرائط. وكتب معروفة كثيرا في الطب.
وقال في الطبيعة: إنها القوة التي تدبر الجسم من الإنسان، فتصوره من النطفة إلى تمام الخلقة، خدمة للنفس في إتمام هيكلها، ولا تزال هي المدبرة له غذاء من الثدي وبعده مما به قوامه من الأغذية. ولها ثلاث قوى: المولدة، والمربية، والحافظة. ويخدم الثلاث أربع قوى: الجاذبة، والماسكة، والهاضمة، والدافعة.















مصادر و المراجع :      

١- الملل والنحل

المؤلف: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)

الناشر: مؤسسة الحلبي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید