المنشورات

الْفَصَاحَةِ

تَقُولُ: هَذَا كَلام فَصِيح، مُحَبَّر، مُتَرَاصِف النَّظْم، مُتَنَاسِب الْفِقَرِ، مُتَشَاكِل الأَطْرَاف، مُتَخَيَّر الأَلْفَاظِ، مُنْتَخَل الأَسَالِيب، مُهَذَّب اللَّفْظِ، مُنَقَّح الْعِبَارَةِ، مُطَّرِد الانْسِجَام، مُحْكَم السَّبْكِ، أَنِيق الدِّيبَاجَة، غَضّ الْمَكَاسِر، لَمْ تَعْلَق بِهِ رَكَاكَة، وَلا ظِلّ عَلَيْهِ لِلابْتِذَالِ، وَلا غُبَار عَلَيْهِ لِلْحُوشِيَّةِ.
وَهَذَا كَلام عَلَيْهِ طَابَع الْفَصَاحَةِ، وَعَلَيْهِ مِيسَم الْفَصَاحَة، وَرَوْنَق الْفَصَاحَةِ، وَقَدْ خَلَعَتْ الْفَصَاحَة عَلَيْهِ زُخْرُفهَا، وَقَدْ أُفْرِغ فِي قَالَبِ الْفَصَاحَةِ، وَنُسِج عَلَى مِنْوَال الْفَصَاحَة، وَطُبِع عَلَى غِرَار الْفَصَاحَة، وَكَأَنَّهُ الدُّرّ الْمَرْصُوف، وَاللُّؤْلُؤ الْمَنْضُود، وَالتِّبْر الْمَسْبُوك، وَكَأَنَّهُ مَطَارِف الْيَمَن، وَالْخَزّ الْيَمَانِيّ، وَالدِّيبَاج الْخُسْرُوَانِيّ، وَالْوَشْي الْفَارِسِيّ، وَكَأَنَّهُ صِيغَ مِنْ خَالِص الْعَسْجَد، وَمِنْ إِبْرِيز النُّضَار.
وَتَقُولُ فِي التَّفْصِيلِ: هَذَا كَلام فَصِيح، جَزْل، فَخْم، مَتِين الْحَبْكِ، صَفِيق الدِّيبَاجَة، مُوَثَّق السَّرْدِ، مُحْكَم النَّسْج، مُتَدَامِج الْفِقَر.
وَفُلانٌ مَطْبُوعٌ عَلَى جَزَالَةِ الأَلْفَاظِ، وَفَخَامَة الأَسَالِيب، وَإِنَّهُ لَفَحْلِيّ الْكَلام، وَفِي كَلامِهِ فُحُولَة، وَإِنَّ كَلامَهُ لَكَالْبُنْيَان الْمَرْصُوص، وَالثَّوْب الْمَحْبُوك.
وَهَذَا كَلام رَقِيق، عَذْب، سَائِغ، سَهْل، رَشِيق، سَلِس، سَبْط، مَأْنُوس، رَخِيم، وَرَخِيم الْحَوَاشِي، رَقِيق الْحَوَاشِي، لَيِّن الْمَكَاسِر، خَفِيف الْمَحْمَلِ عَلَى السَّمْعِ، سَهْل الْجَرْيِ عَلَى الأَلْسِنَةِ، سَهْل الْوُرُود عَلَى الطَّبْعِ، رَائِق الْمَشْرَع، عَذْب الْمَشْرَب، عَذْب الْمَوْرِدِ، سَائِغ الْمُوْرِد، حَسَن الانْسِجَامِ، حَسَن الْمَنْطُوق وَالْمَسْمُوع، يَرْتَفِعُ لَهُ حِجَاب السَّمْع، وَيُوطَأُ لَهُ مِهَاد الطَّبْع، وَيَدْخُلُ الآذَان بِلا اِسْتِئْذَان، وَتَعْشَقُهُ الأَسْمَاع لِعُذُوبَتِهِ، وَيَفْعَلُ بِالأَلْبَابِ فِعْل السُّلاف، وَفِعْل السِّحْر.
وَفُلانٌ إِذَا تَكَلَّمَ فَكَأَنَّمَا يَنْشُرُ الْبُرُود الْمُفَوَّفَة، وَيَنْشُرُ شُقَق الدِّيبَاج، وَيَنْشُرُ بُرُود الْوَشْي، وَكَأَنَّ لَفْظَهُ مُنَاغَاة الأَطْيَار، وَكَأَنَّ كَلامَهُ مَمَرّ الصِّبَا عَلَى عَذَبَات الأَغْصَان، وَهَذَا كَلام مَا لِحُسْنِهِ نِهَايَة.
وَتَقُولُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ: هَذَا كَلام غَلِيظ، فَظّ، خَشِن، جَافّ، شَكس، نَافِر، مُتَوَعِّر، عَلَيْهِ جَفْوَة الأَعْرَابِ، وَخُشُونَة الْجَاهِلِيَّة، وَعَنْجَهِيَّة الْبَادِيَة.
وَإِنَّهُ لَكَلام فَجّ عَلَى الذَّوْقِ، ثَقِيل عَلَى السَّمْعِ، ثَقِيل عَلَى الأَلْسِنَةِ، وَإِنَّهُ لَتَمُجّهُ الأَسْمَاع، وَتَنْبُو عَنْهُ الأَسْمَاع، وَتَسْتَكّ مِنْهُ الآذَان، قَدْ تَجَافَى عَنْ مَضَاجِع الرِّقَّة، وَتَجَانَف عَنْ مَذَاهِب السَّلاسَة، وَإِنَّهُ لأَشْبَه شَيْء بِقِطَع الْجَلامِيد، وَبِأَجْذَال الْحَطَب، وَإِنَّهُ لَمِمَّا تَسْتَخِفُّ عِنْدَهُ جَلامِيد الصُّخُور.
وَتَقُولُ: هَذِهِ لُغَة مَهْجُورَة، وَأَلْفَاظ مَتْرُوكَة، وَكَلِم مَرْغُوب عَنْهَا، وَإِنَّهَا لَلُغَة وَحْشِيَّة، وَلُغَة حُوشِيَّة، وَفُلان لا يَتَلَمَّظُ إِلا بِعُقْمِيّ الْكَلام وَهُوَ الْقَدِيمُ الدَّارِسُ وَقِيلَ هُوَ غَرِيب الْغَرِيبِ.
وَتَقُولُ هَذَا كَلام: رَكِيك،سَخِيف، سَقِيم، سَاقِط، مُبْتَذَل، عَامِّيّ الأَلْفَاظ، سُوقِيّ الأَلْفَاظ، لَمْ يَحْكُمْهُ طَبْع، وَلَمْ تُلَقِّنْهُ سَلِيقَة، وَلَمْ يُعِنْهُ ذَوْق، وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلْفَصَاحَةِ ظِلّ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلْجَزَالَةِ رَوْنَق، وَإِنَّهُ لَكَلام تَبْذَأه الأَسْمَاع، وَتَنْفِيه الآذَانُ، وَتَمُجُّهُ الأَذْوَاق السَّلِيمَة، وَتَقْتَحِمُهُ الْمَلَكَات الرَّاسِخَة.
وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا تَمَضْمَضَتْ بِهِ الأَفْوَاه، وَمِمَّا لاكَتْهُ الأَفْوَاه حَتَّى مَجَّتْهُ، وَإِنَّهُ لَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَخَلُّف الْمَلَكَة، وَخِفَّة الْبِضَاعَةِ، وَنَزَارَة الْمَادَّة، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ سَقْط الْمَتَاع، وَمِمَّا عُرِضَ فِي الأَسْوَاقِ، وَإِنَّهُ لَكَلام أَسْخَف مِنْ نَسْج الْعَنْكَبُوت، وَأَسْقَم مِنْ أَجْفَان الْغَضْبَانِ.
وَتَقُولُ فِي وَصْفِ الْمُتَكَلِّمِ: رَجُل فَصِيح، لَسِن، وَمِلْسَان، مِقْوَل، مِنْطِيق، مُفَوَّه، فَصِيح اللَّفْظِ، فَصِيح اللَّهْجَةِ، فَصِيح اللِّسَانِ، فَصِيح الْمَنْطِقِ، طَلِيق اللِّسَان، حَدِيد اللِّسَانِ، وَحَدِيد شَبَاة اللِّسَان، حَدِيد الْمِقْوَل، فَتِيق اللِّسَان، ذَلِيق اللِّسَان، سَلِيط اللِّسَانِ، ذَرِب اللِّسَان، عَضْب اللِّسَان، غَرْب اللِّسَانِ،بِلَيْل الرِّيق، حُرّ الْمَنْطِق، حُرّ الْكَلامِ، جَزْل الْخِطَابِ، بَيِّن اللَّهْجَةِ، حَسَن السَّبْك، أَنِيق اللَّفْظِ، سَلِيم الْمَلَكَةِ، سَلِيم الذَّوْقِ، لَطِيف الذَّوْقِ، مَحْض الطَّبْع، بَصِير بِاخْتِيَارِ الأَلْفَاظِ، عَلِيم بِمَوَاقِعِ الْكَلِمِ، يَتَخَيَّرُ مِنْ الأَلْفَاظِ أَحْسَنهَا مَسْمُوعاً، وَأَقْرَبهَا مَفْهُوماً، وَأَلْيَقهَا بِمَنْزِلِهَا، وَأَشْكلهَا بِمَا يُجَاوِرُهَا.
وإَِنَّهُ لا يُعْلَمُ مِمَّنْ سَلَفَ وَخَلَفَ أَفْصَح مِنْهُ نُطْقاً، وَلا أَبْيَن عِبَارَة، وَلا أَبَلّ رِيقاً، وَلا أَحْسَن بِلَّة لِسَان، قَدْ أُنْزِلَتْ الْفَصَاحَة عَلَى لِسَانِهِ، وَأَعْطَتْهُ الْفَصَاحَة قِيَادهَا، وَهُوَ خَطِيبُ مِنْبَر الْفَصَاحَة، وَهَزَار رَوْضَتهَا الصَّادِح، وَهُوَ أَفْصَحُ مَنْ نَطَق بِالضَّاد، وَأَفْصَحُ مِنْ سَجَّان وَائِل.
وَتَقُولُ فِي خِلاف: ذَلِكَ هُوَ رَجُلٌ ثَقِيلُ اللِّسَانِ، كَلِيل اللِّسَان، كَهام اللِّسَان، بَطِيء اللِّسَانِ، بَطِيء الْمَنْطِقِ، مُتَلَكِّئ الْمَنْطِق، وإَِنَّهُ لَرَجُل أَعْجَم وَهُوَ الَّذِي لا يُبِينُ كَلامَهُ وَهُوَ خِلافُ الْفَصِيحِ، وَرَجُل أَغْتَم، وغُتْمِيّ، وَهُوَ الَّذِي لا يُفْصِحُ شَيْئاً،وَبِالرَّجُلِ عُجْمَة، وَغُتْمَة، وَحُكْلَة بِالضَّمِّ فِيهِنَّ وَلَمْ يُحْك مِنْ هَذِهِ الأَخِيرَةِ وَصْف، وَبِهِ لُكْنَةٌ بِالضَّمِّ أَيْضاً وَهِيَ الْعُجْمَةُ وَالْعِيُّ وَقِيلَ هِيَ أَنْ لا يُقِيم الْعَرَبِيَّةَ مِنْ عُجْمَةٍ فِي لِسَانِه، يُقَالُ: هُوَ يَرْتَضِخُ لُكْنَة رُومِيَّة أَوْ غَيْرهَا، وَالرَّجُل أَلْكَن.
وَهُوَ رَجُلٌ أَلَفّ وَهُوَ الْعَيِّي الْبَطِيءُ الْكَلامَ إِذَا تَكَلَّمَ مَلأَ لِسَانُه فَمَه، وَقَدْ لَفَّ يَلَفُّ بِالْفَتْحِ وَبِهِ لَفَفٌ بِفَتْحَتَيْنِ، وَإِنَّهُ لَيَمْضُغ الْكَلام، وَيَلُوكهُ، أَيْ يُجِيلُهُ فِي نَوَاحِي فَمه.
وَكَلَّمْتهُ فَلَجْلَجَ فِي جَوَابِهِ، وَتَلَجْلَجَ، إِذَا كَانَ يُجِيلُ لِسَانه فِي شِدْقِهِ وَيُخْرِجُ الْكَلام بَعْضه فِي إِثْر بَعْض، وَهُوَ رَجُلٌ لَجْلاجٌ، وَلَجْلاج اللِّسَان، وَإِنَّهُ لِيَتَمَطَّق بِالْكَلامِ وَهُوَ أَنْ يَضُمَّ شَفَتَيْهِ وَيَرْفَعَ لِسَانه إِلَى الْغَارِ الأَعْلَى، وَإِنَّهُ لَيُتَعْتِع فِي كَلامِهِ إِذَا تَرَدَّدَ بِهِ مِنْ عِيٍّ أَوْ حَصْر، وَيَتَعَتَّتُ فِي كَلامِهِ إِذَا لَم يَسْتَمِرّ بِهِ.
وَقَدْ اِحْتَبَسَ لِسَانه عَنْ النُّطْقِ، وَاعْتُقِلَ عَنْ الْكَلامِ، وَفِي مَنْطِقِهِ حُبْسَة، وَعُقْلة، وَعُقْدَة بِالضَّمّ فِيهِنَّ، وَعَقَد بِفَتْحَتَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ الْكَلامِ، وَقَدْ عَقَدَ لِسَانُهُ بِالْكَسْرِ وَهُوَ عَقِد، وَأَعْقَد.
وَفِي كَلامِهِ رُتَّة بِالضَّمِّ أَيْضاً وَهِيَ أَنْ يَكُونَ فِي لِسَانِهِ حُبْسَةٌ وَيَعْجَل فِي كَلامِهِ فَلا يُطَاوِعُهُ لِسَانُهُ، وَقِيلَ الرُّتَّة كَالرِّيحِ تَعْتَرِضُهُ أَوَّل الْكَلامِ فَإِذَا جَاوَزَهُ اتَّصَل، وَالرَّجُل أَرَتّ، وَقَدْ تَوقَّف فِي كَلامِهِ، وَتَرَدَّد، وَتَلَكَّأَ، وَتَلَعْثَمَ، وَفِي كَلامِهِ رَدّ، وَفِيهِ رَدَّةٌ قَبِيحَةٌ.
وَيُقَالُ: رَجُلٌ تَأْتَاءٌ وَهُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ فِي التَّاءِ إِذَا تَكَلَّمَ، وَرَجُل تَمْتَام مِثْله وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَرُدُّ الْكَلامَ إِلَى التَّاءِ وَالْمِيمِ، وَرَجُل فَأَفَاء وَهُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ فِي الْفَاءِ.
وَتَقُولُ: فِي كَلام فُلان غُنَّة بِالضَّمِّ وَهِيَ أَنْ يُشْرَبَ الْحَرْف صَوْت الْخَيْشُوم، وَفِيهِ خُنَّة، وخَنْخَنَة، وَهِيَ أَنْ لا يُبين كَلامه فيُخَنْخِن فِي خَيَاشِيمِهِ وَهِيَ أَشَدُّ مِنْ الْغُنَّةِ، وَرَجُل أَغَنّ، وَأَخَنّ.
وَيُقَالُ: رَجُلٌ أضَزّ وَهُوَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ كَأَنَّهُ عَاضٌّ بِأَضْرَاسِهِ لا يَفْتَحُ فَاه، وَبِهِ ضَزَز بِفَتْحَتَيْنِ، وَتَقُولُ: تَغْتَغَ الشَّيْخ إِذَا سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ فَلَمْ يُفْهَمْ كَلامُهُ، وَلَثِغَ الصَّبِيُّ وَغَيْره بِالْكَسْرِ لَثَغاً بِفَتْحَتَيْنِ إِذَا لَمْ يُقِم لَفْظ بَعْض الْحُرُوفِ، وَهُوَ أَلْثَغُ، وَبِهِ لُثْغَةٌ بِالضَّمِّ.
وَيُقَالُ: تَفَصَّح الرَّجُل، وَتَفَاصَحَ، وَإِذَا تَكَلَّفَ الْفَصَاحَة أَوْ تَشَبَّه بِالْفُصَحَاءِ، وَإِنَّهُ لَيَتَشَدَّق فِي كَلامِهِ إِذَا لَوَى شِدْقه لِلتَّفَصُّحِ أَوْ فَتَحَ بِهِ شِدْقَيْهِ، وَيَتَنَطَّعُ فِي كَلامِهِ إِذَا رَمَى بِلِسَانِهِ إِلَى نِطْع الْفَم وَهُوَ الْغَارُ الأَعْلَى، وَقَدْ قَعَّر فِي كَلامِهِ، وَقَعَّب، وَتَقَعَّرَ، وَتَعَمَّقَ، وَتَفَهَّقَ، وَتَفَيْهَقَ، إِذَا تَكَلَّمَ مِنْ أَقْصَى الْفَم، وَيُقَالُ: صَلْصَلَ الْكَلِمَة إِذَا أَخْرَجَهَا مُتَحَذْلِقاً.













مصادر و المراجع :      

١- نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد

المؤلف: إبراهيم بن ناصف بن عبد الله بن ناصف بن عبد الله بن ناصف بن جنبلاط بن سعد الْيَازِجِيّ الْحِمْصِيّ نصراني الديانة (المتوفى: 1324هـ)

الناشر: مطبعة المعارف، مصر

عام النشر: 1905 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید