المنشورات

الأمر باختيار الإخوان وانتخاب الأقران والأخدان

روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: اختبروا الناس بإخوانهم، فإن الرجل يخادن من يعجبه نحوه. وقال مجاهد: إني لأنتقي الإخوان كما أنتقي أطايب الثمر. وقال بعض الشعراء:
امحض مودتك الكريم، فإنما ... يرعى ذوي الأحساب كل كريم
وإخاء أشراف الرجال مروءة، ... والموت خير من إخاء لئيم
وقال يحيى بن أكثم:
وقارن، إذا قارنت، حرّاً، فإنما ... يزين ويزري بالفتى قرناؤه
إذا المرء لم يختر صديقاً لنفسه، ... فناد به في الناس: هذا جزاؤه
وروي أن سليمان بن داود، عليهما السلام، قال: لا تحكموا للرجل بشيء حتى تنظروا من يخادن.
وقال عدي بن زيد العبادي:
عن المرء لا تسال، وأبصر قرينه، ... فإن القرين بالمقارن مقتد
إذا ما رأيت الشر يبعث أهله، ... وقام جناة الشر للشر، فاقعد
وقال عتبة بن هبيرة الأسدي:
إن كنت تبغي العلم، أو أهله، ... أو شاهداً يخبر عن غائب
فاختبر الأرض بأسمائها، ... واختبر الصاحب بالصاحب
وقال أبو العتاهية:
من ذا الذي يخفى علي ... ك، إذا نظرت إلى قرينه
وعلى الفتى بطباعه ... سمة تلوح على جبينه
وأنشدني أحمد بن عبيد لأبي محمد اليزيدي:
ومن يصاحب صاحباً، ... ينسب إلى مستصحبه
بزائنات رشده، ... أو شائنات ريبه
ورأس أمر لامرئ ... خير له من ذنبه
وذو النهى ليست تبا ... عات الهوى من أربه
وقال آخر:
ولا تصحب أخا الجهل، ... وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى ... حليماً، حين آخاه
وللشيء من الشيء ... مقاييس وأشباه
يقاس المرء بالمرء، ... إذا ما المرء ماشاه
والقلب على القلب ... دليلٌ، حين يلقاه
وأنشدني أبو العباس الشيباني لأبي آمنة جد النبي، صلى الله عليه وسلم:
وإذا أتيت جماعة في مجلس، ... فاحذر مجالسهم، ولما تقعد
وذر الغواة الجاهلين وجهلهم، ... وإلى الذين يذكرونك فاقعد
فليؤاخ الأديب أكفاءه، وليصحب نظراءه، ومن يأمن من غدره، وغب أمره، وبوائق شره. وأنى يكون ذلك ولن يجتمع إلا في أهل الحياء. فمنهم كرم الوفاء، وإذا اجتمع الحياء والوفاء، صح الإخاء.
وقد أخبرني مخبر عن عبد الله بن طاهر أنه قال: لا دواء لمن لا حياء له، ولا حياء لمن لا وفاء له، ولا وفاء لمن لا إخاء له، ولا إخاء لمن أراد أن يجمع بين أهواء أخلائه حتى يحبوا ما أحب ويكرهوا ما كره، وحتى لا يرى من أحد ختلاً، ولا زللاً، ولا تفريطاً، ثم أنشد:
طلبت امرأً حراً صحيحاً مسلماً، ... نقياً من الآفات في كل موسم
لأمنحه ودي، فلم أدرك الذي ... طلبت، ومن لي بالصحيح المسلم
صبرت ومن يصبر يجد غب صبره ... ألذ وأشهى من جنى النحل في الفم
ومن لا يطب نفساً ويستبق صاحباً ... ويغفر لأهل الود يصرم ويصرم
وقال محمود الوراق:
البس أخاك على تصنُّعه، ... فلرب مفتضح على النص
ما كدت أفحص عن أخي ثقة، ... إلا ذممت عواقب الفحص
وليصحب نظراءه ومن يأمن غدره وغب أمره وبوائق شره.
وأنشدني محمد بن يزيد المبرد للمطيع بن إياس:
ولئن كنت لا تصاحب إلا ... صاحباً لا تزل، ما عاش، نعله
لا تجده، ولو حرصت، وأنى ... لك بالخل ليس يوجد مثله
وقال يونس بن عبيد: أعياني شيئان، أخ في الله ودرهم حلال.
وقيل لبعض الحكماء: من أبعد الناس سفراً؟ فقال: من كان في طلب صديق يرضاه.
وقال رجل للفضل بن عياض: أبغني رجلاً أحدثه سري، وآمنه على أمري! فقال: تلك ضالة لا توجد.
وأنشدني المهلبي لنفسه:
البس أخاك على ما كان من خلق، ... واحفظ مودته بالغيب ما وصلا
فأطول الناس غماً من يريد أخاً ... ذا خلة لا يرى في وده خللا
وأنشدني أيضاً:
أقسمت بالله لا ينفك مغتفراً ... ذنب الصديق، وإن عق، وإن صرما
والعمر يقصر عن هجر، وعن صلة، ... وعن تَجَنٍّ، وعتبٍ يورث السَّقما
فترك مصارمة الخلان، والتجاوز عن هفوات الإخوان، والاستكثار من الأخلاء، ورفض معاندة الأعداء، أولى بأهل الأدب، وذوي المروءة والأرب، وأهل الفضل والحسب.
وقد حكى الأصمعي قال: سمعت أعرابياً يقول لأخ له: أي أخي إن الصديق يحول بالجفاء، وإني أراك رطب اللسان من عيوب أصدقائك، فلا تزدهم في أعدائك.
وقال عبد الله بن الحسن بن علي لابنه، رضي الله عنه: إياك وعداوة الرجال، فإنها لن تعدمك مكر حليم، أو مفاجأة لئيم.
وروي أن سليمان بن داود قال لابنه: يا بني لا تستكثر أن يكون لك ألف صديق، ولا تستقل أن يكون لك عدو واحد.
وروي أن علي بن أبي طالب عليه السلام قال:
وأكثر من الإخوان ما اسطعت إنهم ... عماد، إذا استنجدتهم، وظهور
وليس كثيراً ألف خلٍّ وصاحب، ... وإن عدواً واحداً لكثير
وليس شيء أسر إلى ذي اللب، ولا أحسن موقعاً في القلب، من محادثة العقلاء، ومجالسة الأدباء. فإن ذلك مما تفتق به الأذهان، وينفسح به الجنان، ويزيد في اللب، ويحيا به القلب، كما قال بعض الشعراء:
وما بقيت من اللذات إلا ... محادثة الرجال ذوي العقول
وقد كنا نعدهم قليلاً، ... فقد صاروا أقل من القليل
وقيل للحرقة ابنة النعمان: ما كانت لذة أبيك؟ فقالت: إدمان الشراب، ومجالسة الرجال.
وقال عمرو بن مرة الجهني، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وصحوت إلا من لقاء محدث، ... حسن الحديث، يزيدني تعليما
وقال معاوية بن أبي سفيان لعمرو بن العاص: ما بقي مما تستلذه؟ فقال: مجالسة الرجال.
وقد روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وعن عدة من الصحابة، رضي الله عنهم، من الأحاديث في

الحث على صحبة الإخوان، والرغبة في الخلان، ما إن ذكرناه طال به الكتاب، وكثر به الخطاب. وسنذكر بعض ذلك ونختصره، ونأخذ من أحسنه ما يكون فيه بلاغ، إن شاء الله تعالى.














مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید