المنشورات

النهي عن استعمال الإفراط في حب الصديق

روي عن بعض الحكماء أنه قال: لا يفرط الأديب في محبة الصديق، ولا يتجاوز في عداوة العدو، فإنه لا يدري متى تنتقل صداقة الصديق عداوة، ولا متى تنتقل عداوة العدو صداقة.
وحكي عن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، أنه قال: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما.
وروي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً.
ومن أمثال أكثم بن صيفي: الانقباض من الناس مكسبة للعداوة، وإفراط الأنس مكسبة للملال. قال أبو عبيدة: يريد أن الاقتصاد أدنى إلى السلامة.
قال أبو زيد: من أمثالهم: لا تكن حلواً فتُسترط ولا مراً فتعفى أي تلفظ من المرارة.
زمثله قول مطرف بن الشخير: الحسنة. بين السيئتين، وخير الأمور أوسطها.
وكان يقال: لا تهذر في منطقك، ولا تخبر بذات نفسك، ولا تغتر بعدوك، ولا تفرط في حب صديقك، ولا تفزع إلى من لا يرحمك، ولا تألف من لا يرشدك، ولا تبغض من ينصح لك، فإن شر الأخلاق ملالة الصاحب، وتقريب المتباعد.
وأنشدني أحمد بن يحيى للمقنع الكندي:
وكن معدناً للحلم، واصفح عن الأذى ... فإنك راءٍ ما علمت وسامع
وأحبب، إذا أحببت، حباً مقارباً، ... فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت غير مباعد، ... فإنك لا تدري متى أنت راجع
وأنشدني أحمد بن يحيى لسعيد المساحقي:
فهونك في حب وبغض فربما ... يُرى جانب من صاحب بعد جانب
وسمعت عبد الله بن عبد الله بن طاهر ينشد هذين البيتين، وأحسبهما له:
إذا أنا أكرمت اللئيم، فعدني ... مهيناً له، حققت باطل ما عدَّا
فإن صلاح الأمر يرجع كله ... فساداً إذا الإنسان جزت به الحدَّا
وهذا طويل يقنعك منه القليل. وأما طول الزيارة، فقد يجب على أهل الصداقة ترك المداومة عليها، وكثرة الجنوح إليها، فإن ذلك يخلق الحب، ويذهل الصبّ، ويُضجر المَزورَ، ويُعدم السرور، ويُوقع البدل، ويبدي الملل. وقد شرحنا في ذلك باباً، فاعرفه وقف عليه، إن شاء الله تعالى.















مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید